للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ مِنْهُمْ إِذَا صَلَّى، فَكَانَ إِذَا طَرَحُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى عَوْدٍ ثُمَّ يَقِفُ بِهِ عَلَى بَابِهِ ثُمَّ يَقُولُ:

يَا بني عبد مناف أي جوار هذا؟ ثم يُلْقِيهِ فِي الطَّرِيقِ.

قُلْتُ: وَعِنْدِي أَنَّ غَالِبَ ما روى مما تقدم من طرحهم سلا الْجَزُورِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَفِيهِ أَنَّ فَاطِمَةَ جَاءَتْ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ فَشَتَمَتْهُمْ، ثُمَّ لَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَى سَبْعَةٍ مِنْهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ. وَكَذَلِكَ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ خَنْقِهِمْ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَنْقًا شَدِيدًا حَتَّى حَالَ دُونَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَائِلًا أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ.

وَكَذَلِكَ عَزْمُ أَبِي جَهْلٍ- لَعَنَهُ اللَّهُ- عَلَى أَنْ يَطَأَ عَلَى عُنُقِهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَذِكْرُهَا هاهنا أنسب وأشبه.

[فصل]

في ذهابه عليه السلام إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الله تعالى وَإِلَى نُصْرَةِ دِينِهِ فَرَدُّوا عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يقبلوا فرجع عنهم إِلَى مَكَّةَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَذَى مَا لم تكن نالته مِنْهُ فِي حَيَاةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ يَلْتَمِسُ مِنْ ثَقِيفٍ النُّصْرَةَ وَالْمَنَعَةَ بِهِمْ من قومه، ورجا أَنْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَحْدَهُ. فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ. قَالَ: انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطائف وعمد إِلَى نَفَرٍ مِنْ ثَقِيفٍ هُمْ سَادَةُ ثَقِيفٍ وَأَشْرَافُهُمْ وَهُمْ إِخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ، عَبْدُ يَالِيلَ، وَمَسْعُودٌ، وحبيب بنو عمرو ابن عُمَيْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُقْدَةَ بْنِ غِيَرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ. وَعِنْدَ أَحَدِهِمُ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي جُمَحَ، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ فدعاهم إلى الله وكلمهم لما جَاءَهُمْ لَهُ مِنْ نُصْرَتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: هُوَ يَمْرُطُ ثِيَابَ الْكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللَّهُ أَرْسَلَكَ. وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَا وَجَدَ اللَّهُ أَحَدًا أَرْسَلَهُ غَيْرَكَ؟ وَقَالَ الثَّالِثُ وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنَ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ لَأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ الْكَلَامَ وَلَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلِّمَكَ.

فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عِنْدِهِمْ وَقَدْ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- إِنْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَلَيَّ وَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْلُغَ قَوْمَهُ عَنْهُ فَيُذْئِرَهُمْ [١] ذَلِكَ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَفْعَلُوا وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وَعَبِيدَهُمْ يَسُبُّونَهُ وَيَصِيحُونَ بِهِ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَأَلْجَئُوهُ إِلَى حَائِطٍ لِعَتَبَةَ ابن رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهُمَا فِيهِ، وَرَجَعَ عَنْهُ مِنْ سُفَهَاءِ ثَقِيفٍ مَنْ كَانَ يَتْبَعُهُ. فعمد الى ظل


[١] قال ابن هشام: فيذئرهم يعنى يحرش بينهم، وأورد في ذلك شعرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>