للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أتان لي قمراء كانت أذمّت بالركب (١) ومعى صبي لنا وشارف لنا والله ما تبض بقطرة. وما ننام ليلتنا ذلك اجمع (٢) مع صبينا ذاك ما نجد في ثديي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه. ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج. فخرجت على أتانى تلك فلقد أذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا. فقدمنا مكة فو الله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله فتأباه إذا قيل إنه يتيم تركناه.

قلنا ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه؟ إنما نرجو المعروف من أبى الولد فاما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا، فو الله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري. فلما لم نجد غيره وأجمعنا الانطلاق قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معى رضيع.

لانطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. فقال لا عليك أن تفعلي فعسى أن يجعل الله لنا فيه بركة. فذهبت فأخذته فو الله ما أخذته إلا أنى لم أجد غيره، فما هو إلا أن أخذته فجئت به رحلي فاقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن. فشرب حتى روى وشرب أخوه حتى روى. وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا. فبتنا بخير ليلة فقال صاحبي حين أصبحنا يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة. ألم ترى ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه. فلم يزل الله ﷿ يزيدنا خيرا. ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا فو الله لقطعت أتانى بالركب حتى ما يتعلق بها حمار حتى أن صواحبي ليقلن ويلك يا بنت أبى ذؤيب هذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟ فأقول نعم والله إنها لهى فقلن والله إن لها لشأنا. حتى قدمنا أرض بنى سعد. وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فان كانت غنمي لتسرح ثم تروح شباعا لبنا فتحلب ما شئنا وما حوالينا أو حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن وإن أغنامهم لتروح جياعا حتى إنهم ليقولون لرعاتهم - أو لرعيانهم - ويحكم انظروا حيث تسرح غنم بنت أبى ذؤيب فاسرحوا معهم. فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فتروح أغنامهم جياعا ما فيها قطرة لبن وتروح أغنامى شباعا لبنا نحلب ما شئنا. فلم يزل الله يرينا البركة نتعرفها حتى بلغ سنتين فكان يشب شبابا لا تشبّه الغلمان. فو الله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا (٣) فقدمنا به على أمه ونحن أضن شيء به مما رأينا فيه من البركة. فلما رأته أمه قلت لها دعينا نرجع بابننا هذه السنة الأخرى فانا نخشى عليه وباء مكة. فو الله ما زلنا بها حتى قالت نعم. فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة فبينما هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا جاء أخوه ذلك يشتد فقال ذاك أخى القرشي جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فاضجعاه فشقا بطنه. فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده قائما منتقعا لونه. فاعتنقه أبوه وقال يا بنى


(١) أي جاءت بما تذم عليه. أو يكون من قولهم بئر ذمة أي قليلة الماء. ويروى حتى أذممت أي حبستهم وكأنه من الماء الدائم
(٢) الّذي في ابن هشام: وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الّذي معنا من بكائه من الجوع.
(٣) استجفر الصبى إذا قوى على الأكل.

<<  <  ج: ص:  >  >>