للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم، وهربت الفرس كل مهرب، وأخذهم المسلمون من كل وجه، وقعدوا لهم كل مرصد، فقتل منهم في ذلك الموقف مائة ألف حتى جللوا وجه الأرض بالقتلى، فلذلك سميت جلولاء. وغنموا من الأموال والسلاح والذهب والفضة قريبا مما غنموا من المدائن قبلها وبعث هاشم بن عتبة القعقاع بن عمرو في إثر من انهزم منهم وراء كسرى، فساق خلفهم حتى أدرك مهران منهزما، فقتله القعقاع بن عمرو، وأفلتهم الفيرزان فاستمر منهزما، وأسر سبايا كثيرة بعث بها إلى هاشم بن عتبة، وغنموا دواب كثيرة جدا. ثم بعث هاشم بالغنائم والأموال إلى عمه سعد بن أبى وقاص فنفل سعد ذوى النجدة ثم أمر بقسم ذلك على الغانمين.

قال الشعبي: كان المال المتحصل من وقعة جلولاء ثلاثين ألف ألف، فكان خمسة ستة آلاف ألف وقال غيره: كان الّذي أصاب كل فارس يوم جلولاء نظير ما حصل له يوم المدائن - يعنى اثنى عشر ألفا لكل فارس - وقيل أصاب كل فارس تسعة آلاف وتسع دواب. وكان الّذي ولى قسم ذلك بين المسلمين وتحصيله، سلمان الفارسي . ثم بعث سعد بالأخماس من المال والرقيق والدواب مع زياد بن أبى سفيان، وقضاعى بن عمرو، وأبى مقرن الأسود. فلما قدموا على عمر سأل عمر زياد بن أبى سفيان عن كيفية الوقعة فذكرها له، وكان زياد فصيحا، فأعجب إيراده لها عمر بن الخطاب ، وأحب أن يسمع المسلمون منه ذلك، فقال له: أتستطيع أن تخطب الناس بما أخبرتنى به؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، إنه ليس أحد على وجه الأرض أهيب عندي منك، فكيف لا أقوى على هذا مع غيرك؟ فقام في الناس فقص عليهم خبر الوقعة، وكم قتلوا، وكم غنموا، بعبارة عظيمة بليغة فقال عمر: إن هذا لهو الخطيب المصقع - يعنى الفصيح - فقال زياد: إن جندنا أطلقوا بالفعال لساننا. ثم حلف عمر بن الخطاب أن لا يجن هذا المال الّذي جاءوا به سقف حتى يقسمه، فبات عبد الله بن أرقم وعبد الرحمن بن عوف يحرسانه في المسجد، فلما أصبح جاء عمر في الناس، بعد ما صلى الغداة وطلعت الشمس، فأمر فكشف عنه جلابيبه، فلما نظر إلى ياقوتة وزبرجده وذهبه الأصفر وفضته البيضاء، بكى عمر، فقال له عبد الرحمن: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فو الله إن هذا لموطن شكر، فقال عمر: والله ما ذاك يبكيني، وتالله ما أعطى الله هذا قوما إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلا ألقى بأسهم بينهم. ثم قسمه كما قسم أموال القادسية.

وروى سيف بن عمر عن شيوخه أنهم قالوا: وكان فتح جلولاء في ذي القعدة من سنة ستة عشر، وكان بينه وبين فتح المدائن تسعة أشهر وقد تكلم ابن جرير هاهنا فيما رواه عن سيف على ما يتعلق بأرض السواد وخراجها، وموضع تحرير ذلك كتاب الأحكام.

وقد قال هاشم بن عتبة في يوم جلولاء:

<<  <  ج: ص:  >  >>