للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: إذا غربت عنه الفهوم وباح بسره المكتوم. فاستحسن الحاضرون منه ذلك وَعَظُمَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُنْتَظَمِ: وَقَدِ ابْتُلِيَ بِحُبِّ صَبِيٍّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَامِعٍ وَيُقَالُ مُحَمَّدُ بْنُ زُخْرُفٍ فَاسْتَعْمَلَ الْعَفَافَ وَالدِّينَ فِي حُبِّهِ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ فِيهِ حَتَّى كَانَ سَبَبُ وَفَاتِهِ فِي ذَلِكَ. قُلْتُ: فَدَخَلَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا عَنْهُ: «مَنْ عَشِقَ فَكَتَمَ فَعَفَّ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» . وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ إِنَّهُ كَانَ يُبِيحُ الْعِشْقَ بِشَرْطِ الْعَفَافِ. وَحَكَى هُوَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَتَعَشَّقُ مُنْذُ كَانَ فِي الْكُتَّابِ وَأَنَّهُ صَنَّفَ كِتَابَ الزُّهَرَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ صغره، ورد ما وَقَفَ أَبُوهُ دَاوُدُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ، وَكَانَ يتناظر هو وأبو العباس بن شريح كَثِيرًا بِحَضْرَةِ الْقَاضِي أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فَيَعْجَبُ النَّاسُ مِنْ مُنَاظَرَتِهِمَا وَحُسْنِهَا، وَقَدْ قال له ابن شريح يَوْمًا فِي مُنَاظَرَتِهِ: أَنْتَ بِكِتَابِ الزُّهَرَةِ أَشْهَرُ مِنْكَ بِهَذَا. فَقَالَ لَهُ: تُعَيِّرُنِي بِكِتَابِ الزُّهَرَةِ وأنت لا تحسن تشتم قِرَاءَتَهُ، وَهُوَ كِتَابٌ جَمَعْنَاهُ هَزْلًا فَاجْمَعْ أَنْتَ مثله جدا. وقال القاضي أبو عمر: كُنْتُ يَوْمًا أَنَا وَأَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُدَ رَاكِبَيْنَ فَإِذَا جَارِيَةٌ تُغَنِّي بِشَيْءٍ مِنْ شِعْرِهِ:

أشكو إليك فؤادا أَنْتَ مُتْلِفَهُ ... شَكْوَى عَلِيلٍ إِلَى إِلْفٍ يُعَلِّلُهُ

سُقْمِي تَزِيدُ عَلَى الْأَيَّامِ كَثْرَتُهُ ... وَأَنْتَ فِي عُظْمِ مَا أَلْقَى تُقَلِّلُهُ

اللَّهُ حَرَّمَ قَتْلِي فِي الْهَوَى أَسَفًا ... وَأَنْتَ يَا قَاتِلِي ظُلْمًا تحلله

فقال أبو بكر: كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى اسْتِرْجَاعِ هَذَا؟ فَقُلْتُ: هَيْهَاتَ سار بِهِ الرُّكْبَانُ. كَانَتْ وَفَاةُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ رحمه الله فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَجَلَسَ ابْنُ شريح لعزاه وقال: ما أثنى إِلَّا عَلَى التُّرَابِ الَّذِي أَكَلَ لِسَانَ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَخَلْقٍ، وَعَنْهُ ابْنُ صَاعِدٍ وَالْخُلْدِيُّ وَالْبَاغَنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي التَّارِيخِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ وَغَيْرُهُ، وَكَذَّبَهُ عبد الله بن الامام أحمد وقال: هُوَ كَذَّابٌ بَيِّنُ الْأَمْرِ، وَتَعَجَّبَ مِمَّنْ يَرْوِي عنه. توفى في ربيع الأول منها.

مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحسن بْنِ مُصْعَبٍ مِنْ بَيْتِ الْإِمَارَةِ وَالْحِشْمَةِ، بَاشَرَ نِيَابَةَ الْعِرَاقِ مُدَّةً ثُمَّ خُرَاسَانَ ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ يَعْقُوبُ بْنُ اللَّيْثِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وخمسين فأسره وبقي معه يطوف به الآفاق أربع سنين، ثم تخلص منه في بعض الوقعات ونجا بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا بِبَغْدَادَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.

مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ

ابن مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْصَارِىُّ الْخَطْمِىُّ، مَوْلِدُهُ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ، سَمِعَ أَبَاهُ وأحمد ابن حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ الْجَعْدِ وَغَيْرَهُمْ، وَحَدَّثَ عَنْهُ النَّاسُ وَهُوَ شَابٌّ وَقَرَءُوا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَكَانَ ينتحل

<<  <  ج: ص:  >  >>