إلقائه يده، ومن الذلة لعبيد الله بن زياد، وجعل ينشد ويقول مسليا نفسه:
وإن الأولى بالطف من آل هاشم … تأسوا فسنوا للكرام التأسيا
وكان عبد الملك قد أشار عليه بعض أصحابه أن يقيم بالشام وأن يبعث إلى مصعب جيشا. فأبى وقال: لعلى إن بعثت رجلا شجاعا كان لا رأى له، ومن له رأى ولا شجاعة له، وإني أجد من نفسي بصيرا بالحرب وشجاعة، وإن مصعبا في بيت شجاعة، أبوه أشجع قرشي، وأخوه لا تجهل شجاعته، وهو شجاع ومعه من يخالفه ولا علم له بالحرب، وهو يحب الدعة والصفح، ومعى من ينصح إلى ويوافقني على ما أريد، فسار بنفسه فلما تقارب الجيشان بعث عبد الملك إلى أمراء مصعب يدعوهم إلى نفسه ويعدهم الولايات، فجاء إبراهيم بن الأشتر إلى مصعب فألقى إليه كتابا مختوما وقال: هذا جاءني من عبد الملك، ففتحه فإذا هو يدعوه إلى الإتيان إليه وله نيابة العراق، وقال لمصعب: أيها الأمير! إنه لم يبق أحد من أمرائك إلا وقد جاءه كتاب مثل هذا، فان أطعتنى ضربت أعناقهم.
فقال له مصعب: إني لو فعلت ذلك لم ينصحنا عشائرهم بعدهم، فقال: فابعثهم إلى أبيض كسرى فاسجنهم فيه، فان كانت لك النصرة ضربت أعناقهم، وإن كانت عليك خرجوا بعد ذلك. فقال له: يا أبا النعمان، إني لفي شغل عن هذا، ثم قال مصعب: رحم الله أبا بحر - يعنى الأحنف - أن كان ليحذرنى غدر أهل العراق، وكأنه كان ينظر إلى ما نحن فيه الآن. ثم تواجه الجيشان بدير الجاثليق من مسكن، فحمل إبراهيم بن الأشتر - وهو أمير المقدمة العراقية لجيش مصعب - على محمد بن مروان - وهو أمير مقدمة الشام - فأزالهم عن موضعهم، فأردفه عبد الملك بعبد الله بن يزيد بن معاوية، فحملوا على ابن الأشتر ومن معه فطحنوهم، وقتل ابن الأشتر ﵀ وعفا عنه، وقتل معه جماعة من الأمراء، وكان عتاب بن ورقاء على خيل مصعب فهرب أيضا ولجأ إلى عبد الملك بن مروان، وجعل مصعب بن الزبير وهو واقف في القلب ينهض أصحاب الرايات ويحث الشجعان والأبطال أن يتقدموا إلى أمام القوم، فلا يتحرك أحد، فجعل يقول: يا إبراهيم ولا إبراهيم لي اليوم، وتفاقم الأمر واشتد القتال، وتخاذلت الرجال، وضاق الحال، وكثر النزال. قال المدائني: أرسل عبد الملك أخاه إلى مصعب يعطيه الأمان فأبى وقال: إن مثلي لا ينصرف عن هذا الموضع إلا غالبا أو مغلوبا. قالوا: فنادى محمد بن مروان عيسى بن مصعب فقال: يا ابن أخى لا تقتل نفسك، لك الأمان، فقال له مصعب: قد أمنك عمك فامض إليه، فقال: لا يتحدث نساء قريش أنى أسلمتك للقتل، فقال له: يا بنى فاركب خيل السبق فالحق بعمك فأخبره بما صنع أهل العراق فانى مقتول هاهنا، فقال: والله إني لا أخبر عنك أحدا أبدا، ولا أخبر نساء قريش بمصرعك، ولا أقتل إلا معك ولكن إن شئت ركبت خيلك وسرنا إلى البصرة فإنهم على الجماعة، فقال: والله لا يتحدث قريش