للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهذه الشكوى رجل يقال له: الجراح بن سنان الأسدي في نفر معه، فلما ذهبوا إلى عمر فشكوه قال لهم عمر: إن الدليل على ما عندكم من الشر نهوضكم في هذا الحال عليه، وهو مستعد لقتال أعداء الله، وقد جمعوا لكم، ومع هذا لا يمنعني أن انظر في أمركم. ثم بعث محمد بن مسلمة - وكان رسول العمال - فلما قدم محمد بن مسلمة الكوفة طاف على القبائل والعشائر والمساجد بالكوفة فكل يثنى على سعد خيرا إلا ناحية الجراح بن سنان فإنهم سكتوا فلم يذموا ولم يشكروا، حتى انتهى إلى بنى عبس، فقام رجل يقال له أبو سعدة أسامة بن قتادة، فقال: أما إذ ناشدتنا فان سعدا لا يقسم بالسوية، ولا يعدل في الرعية، ولا يغزو في السرية. فدعا عليه سعد فقال: اللهمّ إن كان قالها كذبا ورياء وسمعة فأعم بصره، وكثر عياله، وعرضه لمضلات الفتن. فعمى واجتمع عنده عشر بنات، وكان يسمع بالمرأة فلا يزال حتى يأتيها فيجسها فإذا عثر عليه قال: دعوة سعد الرجل المبارك. ثم دعا سعد على الجراح وأصحابه فكل أصابته فارعة في جسده، ومصيبة في ماله بعد ذلك، واستنفر محمد بن مسلمة أهل الكوفة لغزو أهل نهاوند في غضون ذلك عن أمر عمر بن الخطاب. ثم سار سعد ومحمد بن مسلمة والجراح وأصحابه حتى جاءوا عمر فسأله عمر: كيف يصلى؟ فأخبره أنه يطول في الأوليين ويخفف في الأخريين وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله . فقال له عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. وقال سعد في هذه القصة. لقد أسلمت خامس خمسة، ولقد كنا وما لنا طعام إلا ورق الحبلة حتى تقرحت أشداقنا، وإني لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله، ولقد جمع لي رسول الله أبويه وما جمعهما لأحد قبلي، ثم أصبحت بنو أسد يقولون لا يحسن يصلى. وفي رواية يغرر بى على الإسلام، لقد خبت إذا وضل عملي. ثم قال عمر لسعد: من استخلفت على الكوفة؟ فقال: عبد الله بن عبد الله ابن عتبان، فأقره عمر على نيابته الكوفة - وكان شيخا كبيرا من أشراف الصحابة حليفا لبني الحبلى من الأنصار - واستمر سعد معزولا من غير عجز ولا خيانة ويهدد أولئك النفر، وكاد يوقع بهم بأسا. ثم ترك ذلك خوفا من أن لا يشكو أحدا أميرا.

والمقصود أن أهل فارس اجتمعوا من كل فج عميق بأرض نهاوند، حتى اجتمع منهم مائة ألف وخمسون ألف مقاتل، وعليهم الفيرزان ويقال: بندار، ويقال ذو الحاجب. وتذامروا فيما بينهم، وقالوا: إن محمدا الّذي جاء العرب لم يتعرض لبلادنا، ولا أبو بكر الّذي قام بعده تعرض لنا في دار ملكنا، وإن عمر بن الخطاب هذا لما طال ملكه انتهك حرمتنا وأخذ بلادنا، ولم يكفه ذلك حتى أغزانا في عقر دارنا، وأخذ بيت المملكة وليس بمنته حتى يخرجكم من بلادكم. فتعاهدوا وتعاقدوا على أن يقصدوا البصرة والكوفة ثم يشغلوا عمر عن بلاده، وتواثقوا من أنفسهم وكتبوا بذلك عليهم كتابا. فلما كتب سعد بذلك إلى عمر - وكان قد عزل سعدا في غضون ذلك - شافه سعد عمر بما

<<  <  ج: ص:  >  >>