للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القدر؟ وحضر عند المأمون هدبة بن خالد ليتغدى عنده فلما رفعت المائدة جعل هدبة يلتقط ما تناثر منها من اللباب وغيره، فقال له المأمون: أما شبعت يا شيخ؟ فقال: بلى،

حدثني حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله قال: «من أكل ما تحت مائدته أمن من الفقر». قال فأمر له المأمون بألف دينار.

وروى ابن عساكر أن المأمون قال يوما لمحمد بن عباد بن المهلب: يا أبا عبد الله قد أعطيتك ألف ألف، وألف ألف، وألف ألف وأعطيك دينارا. فقال: يا أمير المؤمنين إن منع الموجود سوء ظن بالمعبود. فقال: أحسنت يا أبا عبد الله! أعطوه ألف ألف وألف ألف وألف ألف. ولما أراد المأمون أن يدخل ببوران بنت الحسن بن سهل جعل الناس يهدون لأبيها الأشياء النفيسة، وكان من جملة من يعتز به رجل من الأدباء. فأهدى إليه مزودا فيه ملح طيب، ومزودا فيه أشنان جيد، وكتب إليه: إني كرهت أن تطوى صحيفة أهل البر ولا أذكر فيها، فوجهت إليك بالمبتدإ به ليمنه وبركته، وبالمختوم به لطيبه ونظافته. وكتب إليه:

بضاعتي تقصر عن همتي … وهمتي تقصر عن مالي

فالملح والأشنان يا سيدي … أحسن ما يهديه أمثالى

قال: فدخل بها الحسن بن سهل على المأمون فأعجبه ذلك وأمر بالمزودين ففرغا وملئا دنانير وبعث بهما إلى ذلك الأديب. وولد للمأمون ابنه جعفر فدخل عليه الناس يهنئونه بصنوف التهاني، ودخل بعض الشعراء فقال يهنيه بولده:

مد لك الله الحياة مدا … حتى ترى ابنك هذا جدا

ثم يفدّى مثل ما تفدي … كأنه أنت إذا تبدي

أشبه منك قامة وقدا … مؤزرا بمجده مردا

قال فأمر له بعشرة آلاف درهم. وقدم عليه وهو بدمشق مال جزيل بعد ما كان قد أفلس وشكى إلى أخيه المعتصم ذلك، فوردت عليه خزائن من خراسان ثلاثون ألف ألف درهم، فخرج يستعرضها وقد زينت الجمال والأحمال، ومعه يحيى بن أكثم القاضي، فلما دخلت البلد قال: ليس من المروءة ان نحوز نحن هذا كله والناس ينظرون. ثم فرق منه أربعة وعشرين ألف ألف درهم ورجله في الركاب لم ينزل عن فرسه. ومن لطيف شعره: -

لساني كتوم لأسراركم … ودمعي نموم لسرى مذيع

فلولا دموعي كتمت الهوى … ولولا الهوى لم تكن لي دموع

وقد بعث خادما ليلة من الليالي ليأتيه بجارية فأطال الخادم عندها المكث، وتمنعت الجارية من

<<  <  ج: ص:  >  >>