ثم ابن عفان في الجنان مع … الأبرار ذاك القتيل مصطبرا
ألا ولا أشتم الزبير ولا … طلحة إن قال قائل غدرا
وعائش الام لست أشتمها … من يفتريها فنحن منه برا
وهذا المذهب ثانى مراتب الشيعة وفيه تفضيل عليّ على الصحابة. أو قد قال جماعة من السلف والدار قطنى: من فضل عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار - يعنى في اجتهادهم ثلاثة أيام ثم اتفقوا على عثمان وتقديمه على عليّ بعد مقتل عمر - وبعد ذلك ست عشرة مرتبة في التشيع، على ما ذكره صاحب كتاب البلاغ الأكبر، والناموس الأعظم، وهو كتاب ينتهى به إلى أكفر الكفر. وقد روينا عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب أنه قال: لا أوتى بأحد فضلني على أبى بكر وعمر إلى جلدته جلد المفترى. وتواتر عنه أنه قال: خير الناس بعد النبي ﷺ أبو بكر ثم عمر. فقد خالف المأمون الصحابة كلهم حتى على بن أبى طالب. وقد أضاف المأمون إلى بدعته هذه التي أزرى فيها على المهاجرين والأنصار، البدعة الأخرى والطامة الكبرى وهي القول بخلق القرآن مع ما فيه من الانهماك على تعاطى المسكر وغير ذلك من الأفعال التي تعدد فيها المنكر. ولكن كان فيه شهامة عظيمة وقوة جسيمة في القتال وحصار الأعداء ومصابرة الروم وحصرهم، وقتل رجالهم وسبى نسائهم، وكان يقول: كان لعمر بن عبد العزيز وعبد الملك حجاب وأنا بنفسي، وكان يتحرّى العدل ويتولى بنفسه الحكم بين الناس والفصل، جاءته امرأة ضعيفة قد تظلمت على ابنه العباس وهو قائم على رأسه، فأمر الحاجب فأخذه بيده فأجلسه معها بين يديه، فادعت عليه بأنه أخذ ضيعة لها واستحوذ عليها، فتناظرا ساعة فجعل صوتها يعلو على صوته، فزجرها بعض الحاضرين فقال له المأمون:
اسكت فان الحق أنطقها والباطل أسكته، ثم حكم لها بحقها وأغرم ابنه لها عشرة آلاف درهم وكتب إلى بعض الأمراء: ليس المروءة أن يكون بيتك من ذهب وفضة وغريمك عار، وجارك طاو والفقير جائع. ووقف رجل بين يديه فقال له المأمون: والله لأقتلنك. فقال: يا أمير المؤمنين إنك تأن على فان الرّفق نصف العفو، فقال: ويلك ويحك! قد حلفت لأقتلنك، فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن تلق الله حانثا خير من أن تلقاه قاتلا. فعفا عنه. وكان يقول: ليت أهل الجرائم يعرفون أن مذهبي العفو حتى يذهب الخوف عنهم ويدخل السرور إلى قلوبهم. وركب يوما في حراقة فسمع ملاحا يقول لأصحابه: ترون هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه الأمين - يقول ذلك وهو لا يشعر بمكان المأمون - فجعل المأمون يتبسم ويقول: كيف ترون الحيلة حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل