للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجيوش، وكان يهوديا قرائيا، فأسلم ولده هذا قبل وفاة نفسه بسنوات عشر أو نحوها، وقد كان ظاهره جيدا والله أعلم بسره وسريرته، وقد تمرض قبل وفاته بشهر أو نحوه، حتى كانت وفاته في هذا اليوم فصلى عليه بالجامع الأموي تجاه النسر بعد العصر، ثم حمل إلى تربة له أعدها في بستانه بحوش، وله من العمر قريب الخمسين.

وفي أوائل هذا الشهر ورد المرسوم الشريف السلطاني بالرد على نساء النصارى ما كان أخذ منهن مع الجباية التي كان تقدم أخذها منهن، وإن كان الجميع ظلما، ولكن الأخذ من النساء أفحش وأبلغ في الظلم، والله أعلم. وفي يوم الاثنين الخامس عشر منه أمر نائب السلطنة أعزه الله بكبس بساتين أهل الذمة فوجد فيها من الخمر المعتصر من الخوابي والحباب فأريقت عن آخرها ولله الحمد والمنة، بحيث جرت في الازقة والطرقات، وفاض نهر توزا من ذلك، وأمر بمصادرة أهل الذمة الذين وجد عندهم ذلك بمال جزيل، وهم تحت الجباية، وبعد أيام نودي في البلد بأن نساء أهل الذمة لا تدخل الحمامات مع المسلمات، بل تدخل حمامات تختص بهن، ومن دخل من أهل الذمة الرجال مع الرجال المسلمين يكون في رقاب الكفار علامات يعرفون بها من أجراس وخواتيم ونحو ذلك، وأمر نساء أهل الذمة بأن تلبس المرأة خفها مخالفين في اللون بأن يكون أحدهما أبيض والآخر أصفر أو نحو ذلك.

ولما كان يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر - أعنى ربيع الآخر - طلب القضاة الثلاثة وجماعة من المفتين: فمن ناحية الشافعيّ نائباه، وهما القاضي شمس الدين الغزى والقاضي بدر الدين بن وهبة، والشيخ جمال الدين بن قاضى الزبدانى، والمصنف الشيخ عماد الدين بن كثير والشيخ بدر الدين حسن الزرعى، والشيخ تقى الدين الفارقيّ. ومن الجانب الآخر قاضيا القضاة جمال الدين المالكي والحنبلي، والشيخ شرف الدين بن قاضى الجبل الحنبلي، والشيخ جمال الدين ابن الشريشنى، والشيخ عز الدين بن حمزة بن شيخ السلامية الحنبلي، وعماد الدين الحنائى، فاجتمعت مع نائب السلطنة بالقاعة التي في صدر إيوان دار السعادة، وجلس نائب السلطنة في صدر المكان، وجلسنا حوله، فكان أول ما قال: كنا نحن الترك وغيرنا إذا اختلفنا واختصمنا نجيء بالعلماء فيصلحون بيننا، فصرنا نحن إذا اختلفت العلماء واختصموا فمن يصلح بينهم؟ وشرع في تأنيب من شنع على الشافعيّ بما تقدم ذكره من تلك الأقوال والأفاعيل التي كتبت في تلك الأوراق وغيرها، وأن هذا يشفى الأعداء بنا، وأشار بالصلح بين القضاة بعضهم من بعض فصمم بعضهم وامتنع، وجرت مناقشات من بعض الحاضرين فيما بينهم، ثم حصل بحث في مسائل ثم قال نائب السلطنة أخيرا: أما سمعتم قول الله تعالى ﴿عَفَا اللهُ عَمّا سَلَفَ﴾ فلانت القلوب عند

<<  <  ج: ص:  >  >>