للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتقبل رسالته، وله قبول عند الناس، وفيه بر وصدقة وإحسان إلى المحاويج، وبيده مال جيد يتجر له فيه تعلل مدة طويلة ثم كانت وفاته في هذا اليوم فصلى عليه الظهر بالجامع، ثم حمل إلى سفح قاسيون .

وفي صبيحة يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شعبان قدم الأمير سيف الدين بيدمر الّذي كان نائب الشام فنزل بداره عند مئذنة فيروز، وذهب الناس للسلام عليه بعد ما سلم على نائب السلطنة بدار السعادة، وقد رسم له بطبلخانتين وتقدمة ألف وولاية الولاة من غزة إلى أقصى بلاد الشام، وأكرمه ملك الأمراء إكراما زائدا، وفرحت العامة بذلك فرحا شديدا بعوده إلى الولاية. وختمت البخاريات بالجامع الأموي وغيره في عدة أماكن من ذلك ستة مواعيد تقرأ على الشيخ عماد الدين ابن كثير في اليوم، أولها بمسجد ابن هشام بكرة قبل طلوع الشمس، ثم تحت النسر، ثم بالمدرسة النورية، وبعد الظهر بجامع تنكز، ثم بالمدرسة العزية، ثم بالكوشك لأم الزوجة الست أسماء بنت الوزير ابن السلعوس، إلى أذان العصر، ثم من بعد العصر بدار ملك الأمراء أمير على بمحلة القضاعين إلى قريب الغروب، ويقرأ صحيح مسلم بمحراب الحنابلة داخل باب الزيارة بعد قبة النسر وقبل النورية، والله المسئول وهو المعين الميسر المسهل. وقد قرئ في هذه الهيئة في عدة أماكن أخر من دور الأمراء وغيرهم، ولم يعهد مثل هذا في السنين الماضية، فلله الحمد والمنة.

وفي يوم الثلاثاء عاشر شوال توفى الشيخ نور الدين على بن أبى الهيجاء الكركي الشوبكى، ثم الدمشقيّ الشافعيّ، كان معنا في المقري والكتاب، وختمت أنا وهو في سنة إحدى عشرة، ونشأ في صيانة وعفاف، وقرأ على الشيخ بدر الدين بن سيحان للسبع، ولم يكمل عليه ختمة، واشتغل في المنهاج للنواوى فقرأ كثيرا منه أو أكثره، وكان ينقل منه ويستحضر، وكان خفيف الروح تحبه الناس لذلك ويرغبون في عشرته لذلك ، وكان يستحضر المتشابه في القرآن استحضارا حسنا متقنا كثير التلاوة له، حسن الصلاة يقوم الليل، وقرأ على صحيح البخاري بمشهد ابن هشام عدة سنين، ومهر فيه، وكان صوته جهوريا فصيح العبارة، ثم ولى مشيخة الحلبية بالجامع وقرأ في عدة كراسي بالحائط الشمالي، وكان مقبولا عند الخاصة والعامة، وكان يداوم على قيام العشر الأخير في محراب الصحابة مع عدة قراء يبيتون فيه ويحيون الليل، ولما كان في هذه السنة أحيا ليلة العيد وحده بالمحراب المذكور ثم مرض خمسة أيام، ثم مات بعد الظهر يوم الثلاثاء عاشر شوال بدرب العميد، وصلى عليه العصر بالجامع الأموي، ودفن بمقابر الباب الصغير عند والده في تربة لهم، وكانت جنازته حافلة وتأسف الناس عليه، وبل بالرحمة ثراه، وقد قارب خمسا وستين سنة، وترك بنتا سباعية اسمها عائشة، وقد أقرأها شيئا من القرآن لي تبارك، وحفظها الأربعين النواوية جبرها ربها ورحم أباها آمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>