ذلك أبا جهل فأتاه فقال يا عم ان قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا. قال لم؟ قال ليعطوكه فإنك أتيت محمدا لتعرض ما قبله، قال قد علمت قريش أنى من أكثرها مالا، قال فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له. قال وماذا أقول؟ فو الله ما منكم رجل أعرف بالاشعار منى، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيدة منى، ولا باشعار الجن، والله ما يشبه الّذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله الّذي يقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وانه لمثمر اعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. قال لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال قف عنى حتى أفكر فيه، فلما فكر. قال:
ان هذا الا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً﴾ الآيات هكذا رواه البيهقي عن الحاكم عن عبد الله بن محمد الصنعاني بمكة عن إسحاق به. وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا. فيه أنه قرأ عليه ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ وقال البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبى محمد عن سعيد بن جبير - أو عكرمة عن ابن عباس - أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش وكان ذا سن فيهم، وقد حضر المواسم فقال ان وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فاجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا، ويرد قول بعضكم بعضا. فقيل: يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأيا نقوم به، فقال بل أنتم فقولوا وأنا اسمع. فقالوا نقول كاهن؟ فقال ما هو بكاهن رأيت الكهان. فما هو بزمزمة الكهان. فقالوا نقول مجنون؟ فقال ما هو بمجنون ولقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بحنقه ولا تخالجه ولا وسوسته. فقال نقول شاعر؟ فقال ما هو بشاعر قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضة ومبسوطه فما هو بالشعر.
قالوا فنقول هو ساحر؟ قال ما هو بساحر قد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا بعقده. قالوا فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله ان لقوله لحلاوة، وان أصله لمغدق، وان فرعه لجنى فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وان أقرب القول لأن تقولوا هذا ساحر، فتقولوا هو ساحر يفرق بين المرء ودينه، وبين المرء وأبيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك فجعلوا يجلسون للناس حتى قدموا الموسم لا يمر بهم أحد لا حذروه إياه وذكروا لهم أمره وأنزل الله في الوليد ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً﴾ الآيات وفي أولئك النفر الذين جعلوا القرآن عضين ﴿فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
قلت: وفي ذلك قال الله تعالى اخبارا عن جهلهم وقلة عقلهم ﴿بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ اِفْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ فحاروا ماذا يقولون فيه فكل شيء يقولونه باطل، لأن