للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، [وَقِيلَ إِنَّهُ قَالَ: يَا أَهْلَ مكة إِكْبَارُكُمْ وَاسْتِعْظَامُكُمْ قَتْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ مِنْ خِيَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ حَتَّى رَغِبَ فِي الدُّنْيَا وَنَازَعَ الْخِلَافَةَ أَهْلَهَا، فَخَلَعَ طَاعَةَ اللَّهِ وَأَلْحَدَ فِي حَرَمِ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَتْ مَكَّةُ شَيْئًا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ لَمَنَعَتْ آدَمَ حُرْمَةُ الْجَنَّةِ وَقَدْ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَلَمَّا عَصَاهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَهْبَطَهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَآدَمُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ غَيَّرَ كِتَابَ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ لَكَ كَذَبْتَ لَقَلْتُ، وَاللَّهِ إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يُغَيِّرْ كِتَابَ اللَّهِ، بَلْ كَانَ قَوَّامًا بِهِ صواما، عاملا بالحق] [١] ثم كتب الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِمَا وَقَعَ، وَبَعَثَ بِرَأْسِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَعَ رَأْسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ وَعُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ إِلَى عَبْدِ الملك، ثم أمرهم إِذَا مَرُّوا بِالْمَدِينَةِ أَنْ يَنْصِبُوا الرُّءُوسَ بِهَا، ثُمَّ يَسِيرُوا بِهَا إِلَى الشَّامِ، فَفَعَلُوا مَا أمرهم به، وأرسل بالرءوس مع رجل من الأزد فأعطاه عبد الملك خمسمائة دينار، ثم دعا بمقراض فأخذ من ناصيته ونواصي أولاده فرحا بمقتل ابن الزبير، عليهم من الله ما يستحقون.

ثُمَّ أَمَرَ الْحَجَّاجُ بِجُثَّةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَصُلِبَتْ على ثنية كدا عِنْدَ الْحَجُونِ، يُقَالُ مُنَكَّسَةً، فَمَا زَالَتْ مَصْلُوبَةً. حَتَّى مَرَّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ يَا أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتَ صَوَّامًا قَوَّامًا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا آنَ لِهَذَا الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ؟ فَبَعَثَ الْحَجَّاجُ فَأُنْزِلَ عَنِ الْجِذْعِ وَدُفِنَ هُنَاكَ. وَدَخَلَ الْحَجَّاجُ إِلَى مَكَّةَ فَأَخَذَ الْبَيْعَةَ مِنْ أهلها إلى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَلَمْ يَزَلِ الْحَجَّاجُ مُقِيمًا بِمَكَّةَ حَتَّى أَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ عَامَهُ هَذَا أَيْضًا وَهُوَ عَلَى مَكَّةَ وَالْيَمَامَةِ وَالْيَمَنِ.

وَهَذِهِ تَرْجَمَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصي بن كِلَابٍ، أَبُو بَكْرٍ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو خُبَيْبٍ الْقُرَشِيُّ الْأَسَدِيُّ، أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بكر الصديق، ذات النطاقين، هاجرت وهي حامل به تم فولدته بقبا أَوَّلَ مَقْدِمِهِمِ الْمَدِينَةَ وَقِيلَ إِنَّمَا وَلَدَتْهُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ ومصعب الزبيري وَغَيْرُهُمَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بِمَكَّةَ قَالَتْ:

فَخَرَجْتُ به وأنا متم فأتيت المدينة فنزلت بقبا فولدته، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا دَخَلَ فِي جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: ثُمَّ حَنَّكَهُ ثُمَّ دَعَا له وتبرك عليه، فكان أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ. وَهُوَ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثُ، وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وغيرهم. وعنه جماعة من التابعين، وشهيد الْجَمَلَ [٢] مَعَ أَبِيهِ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَحَضَرَ خُطْبَةَ عُمَرَ بِالْجَابِيَّةِ، وَرَوَاهَا عَنْهُ بِطُولِهَا [ثَبَتَ ذَلِكَ من غير وجه. وقدم


[١] سقط من المصرية
[٢] كذا وفي المصرية: حضر اليرموك. وهو إلى الصواب أقرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>