للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليهم فاجتمعوا في مكان ضيق لك فاقتتلوا قتالا شديدا لم يعهد مثله والمسلمون في نحو من عشرة آلاف وقد جاءت الفرس معهم بأفيلة كثيرة عليها الجلاجل، قائمة لتذعر خيول المسلمين فجعلوا كلما حملوا على المسلمين فرت خيولهم من الفيلة ومما تسمع من الجلاجل التي عليها ولا يثبت منها الا القليل على قسر. وإذا حمل المسلمون عليهم لا تقدم خيولهم عل الفيلة ورشقتهم الفرس بالنبل، فنالوا منهم خلقا كثيرا وقتل المسلمون منهم مع ذلك ستة آلاف. وأمر أبو عبيد المسلمين أن يقتلوا الفيلة أولا، فاحتوشوها فقتلوها عن آخرها، وقد قدمت الفرس بين أيديهم فيلا عظيما أبيض، فتقدم إليه أبو عبيد فضربه بالسيف فقطع زلومه فحمى الفيل، وصاح صيحة هائلة وحمل فتخبطه برجليه فقتله ووقف فوقه فحمل على الفيل خليفة أبى عبيد الّذي كان أوصى أن يكون أميرا بعده فقتل، ثم آخر ثم آخر حتى قتل سبعة من ثقيف كان قد نص أبو عبيد عليهم واحدا بعد واحد، ثم صارت الى المثنى بن حارثة بمقتضى الوصية أيضا. وقد كانت دومة امرأة أبى عبيد رأت مناما يدل على ما وقع سواء بسواء. فلما رأى المسلمون ذلك وهنوا عند ذلك ولم يكن بقي إلا الظفر بالفرس، وضعف أمرهم، وذهب ريحهم، وولوا مدبرين، وساقت الفرس خلفهم فقتلوا بشرا كثيرا، وانكشف الناس فكان أمرا بليغا وجاءوا إلى الجسر فمر بعض الناس. ثم انكسر الجسر فتحكم فيمن وراءه الفرس فقتلوا من المسلمين وغرق في الفراة نحوا من أربعة آلاف. ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾.

وسار المثنى بن حارثة فوقف عند الجسر الّذي جاءوا منه، وكان الناس لما انهزموا جعل بعضهم يلقى بنفسه في الفرات فيغرق، فنادى المثنى. أيها الناس على هينتكم فانى واقف على فم الجسر لا أجوزه حتى لا يبقى منكم أحد هاهنا، فلما عدّى الناس إلى الناحية الأخرى سار المثنى فنزل بهم أول منزل، وقام يحرسهم هو وشجعان المسلمين، وقد جرح أكثرهم وأثخنوا. ومن الناس من ذهب في البرية لا يدرى أين ذهب، ومنهم من رجع إلى المدينة النبويّة مذعورا، وذهب بالخبر عبد الله بن زيد بن عاصم المازني إلى عمر بن الخطاب فوجده على المنبر، فقال له عمر: ما وراءك يا عبد الله بن زيد؟ فقال: أتاك الخبر اليقين يا أمير المؤمنين، ثم صعد إليه المنبر فأخبره الخبر سرا، ويقال كان أول من قدم بخبر الناس عبد الله بن يزيد بن الحصين الحطمى فالله أعلم.

قال سيف بن عمرو كانت هذه الوقعة في شعبان من سنة ثلاث [عشرة] بعد اليرموك بأربعين يوما فالله أعلم، وتراجع المسلمون بعضهم إلى بعض وكان منهم من فر إلى المدينة فلم يؤنب عمر الناس بل قال أنا فيئكم وأشغل الله المجوس بأمر ملكهم. وذلك أن أهل المدائن عدوا على رستم فخلعوه ثم ولوه وأضافوا إليه الفيرزان، واختلفوا على فرقتين، فركب الفرس إلى المدائن ولحقهم المثنى بن حارثة في نفر من المسلمين، فعارضه أميران من أمرائهم في جيشهم، فأسرهما وأسر معهما بشرا كثيرا

<<  <  ج: ص:  >  >>