ليلة قائما، أكبر وأعجب. وأما تسخير الشياطين بين يديه تعمل ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات، فقد أنزل الله الملائكة المقربين لنصرة عبده ورسوله محمد ﷺ في غير ما موطن، يوم أحد وبدر، ويوم الأحزاب ويوم حنين، كما تقدم ذكرناه ذلك مفصلا في مواضعه. وذلك أعظم وأبهر، وأجل وأعلا من تسخير الشياطين. وقد ذكر ذلك ابن حامد في كتابه.
وفي الصحيحين من حديث شعبة عن محمد بن زياد عن أبى هريرة عن النبي ﷺ قال: إن عفريتا من الجن تفلت عليّ البارحة، أو كلمة نحوها، ليقطع عليّ الصلاة فأمكننى الله منه، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى يصبحوا وينظروا إليه، فذكرت دعوة أخى سليمان: رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، قال روح فرده الله خاسئا. لفظ البخاري * ولمسلّم عن أبى الدرداء نحوه، قال: ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح يلعب به ولدان أهل المدينة.
وقد روى الإمام أحمد بسند جيد عن أبى سعيد أن رسول الله ﷺ قام يصلّى صلاة الصبح وهو خلفه، فقرأ فالتبست عليه القراءة، فلما فرغ من صلاته قال: لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أختنقه حتى وجدت برد لعابه بين إصبعي هاتين، الإبهام والتي تليها، ولولا دعوة أخى سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان أهل المدينة *
وقد ثبت في الصحاح والحسان والمسانيد أن رسول الله ﷺ قال: إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين، وفي رواية: مردة الجن * فهذا من بركة ما شرعه الله له من صيام شهر رمضان وقيامه، وسيأتي عند إبراء الأكمه والأبرص من معجزات المسيح عيسى بن مريم ﵇، دعاء رسول الله ﷺ لغير ما واحد ممن أسلّم من الجن فشفى، وفارقهم خوفا منه ومهابة له، وامتثالا لأمره. صلوات الله وسلامه عليهم، وقد بعث الله نفرا من الجن يستمعون القرآن فآمنوا به وصدقوه ورجعوا إلى قومهم فدعوهم إلى دين محمد ﷺ وحذروهم مخالفته، لأنه كان مبعوثا إلى الأنس والجن، فآمنت طوائف من الجن كثيرة كما ذكرنا، ووفدت إليه منهم وفود كثيرة وقرأ عليهم سورة الرحمن، وخبرهم بما لمن آمن منهم من الجنان، وما لمن كفر من النيران، وشرع لهم ما يأكلون وما يطعمون دوابهم، فدل على أنه بين لهم ما هو أهم من ذلك وأكبر * وقد ذكر أبو نعيم هاهنا حديث الغول التي كانت تسرق التمر من جماعة من أصحابه ﷺ، ويريدون إحضارها إليه فتمتنع كل الامتناع خوفا من المثول بين يديه، ثم افتدت منهم بتعليمهم قراءة آية الكرسي التي لا يقرب قارئها الشيطان، وقد سقنا ذلك بطرقه وألفاظه عند تفسير آية الكرسي من كتابنا التفسير ولله الحمد * والغول هي الجن المتبدى بالليل في صورة مرعبة * وذكر أبو نعيم هاهنا حماية جبريل له ﵇ غير ما مرّة من أبى جهل كما ذكرنا في السيرة، وذكر مقاتلة جبريل وميكائيل عن يمينه