وشماله يوم أحد * وأما ما جمع الله تعالى لسليمان من النبوة والملك كما كان أبوه من قبله، فقد خير الله عبده محمدا ﷺ بين أن يكون ملكا نبيا أو عبدا رسولا، فاستشار جبريل في ذلك فأشار إليه وعليه أن يتواضع، فاختار أن يكون عبدا رسولا، وقد روى ذلك من حديث عائشة وابن عباس، ولا شك أن منصب الرسالة أعلى.
وقد عرضت على نبينا ﷺ كنوز الأرض فأباها، قال: ولو شئت لأجرى الله معى جبال الأرض ذهبا، ولكن أجوع يوما وأشبع يوما، وقد ذكرنا ذلك كله بأدلته وأسانيده في التفسير وفي السيرة أيضا ولله الحمد والمنة *
وقد أورد الحافظ أبو نعيم هاهنا طرفا منها من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد وأبى سلمة عن أبى هريرة قال:
قال رسول الله ﷺ: بينا أنا نائم جيء بمفاتيح خزائن الأرض فجعلت في يدي *
ومن حديث الحسين بن واقد عن الزبير عن جابر مرفوعا أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا على فرس أبلق جاءني به جبريل عليه قطيفة من سندس *
ومن حديث القاسم عن أبى لبابة مرفوعا: عرض عليّ ربى ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوما وأجوع يوما، فإذا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك * قال أبو نعيم: فأن قيل: سليمان ﵇ كان يفهم كلام الطير والنملة كما قال تعالى: ﴿وَقالَ يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ الآية وقال: ﴿حَتّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ اُدْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها﴾ الآية. قيل: قد أعطى محمد ﷺ مثل ذلك وأكثر منه، فقد تقدم ذكرنا لكلام البهائم والسباع وحنين الجذع ورغاء البعير وكلام الشجر وتسبيح الحصا والحجر، ودعائه إياه واستجابته لأمره، وإقرار الذئب بنبوته، وتسبيح الطير لطاعته، وكلام الظبية وشكواها إليه، وكلام الضب وإقراره بنبوته، وما في معناه، كل ذلك قد تقدم في الفصول بما يغنى عن إعادته.
انتهى كلامه. قلت: وكذلك أخبره ذراع الشاة بما فيه من السم وكان ذلك بأقرار من وضعه فيه من اليهود، وقال إن هذه السحابة لتبتهل بنصرك يا عمرو بن سالم - يعنى الخزاعي - حين أنشده تلك القصيدة يستعديه فيها على بنى بكر الذين نقضوا صلح الحديبيّة، وكان ذلك سبب فتح مكة كما تقدم
وقال ﷺ: إني لأعرف حجرا كان يسلم على بمكة قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن * فهذا إن كان كلاما مما يليق بحاله ففهم عنه الرسول ذلك، فهو من هذا القبيل وأبلغ، لانه جماد بالنسبة إلى الطير والنمل، لأنهما من الحيوانات ذوات الأرواح، وإن كان سلاما نطقيا وهو الأظهر، فهو أعجب من هذا الوجه أيضا، كما
قال على: خرجت مع رسول الله ﷺ في بعض شعاب مكة، فما مرّ بحجر ولا شجر ولا مدر إلاّ قال: السلام عليك يا رسول الله، فهذا النطق سمعه رسول الله ﷺ وعلى ﵁ *
ثم قال أبو نعيم: حدثنا أحمد بن محمد بن الحارث العنبري، حدثنا أحمد بن