علم. قال: سبحان الله!! فلم أخرت هذا إلى اليوم؟ ابعثه إلى، قال فجئت به وقد غسل فخرج عودا ناضرا وقد شرب الزيت، فأمر لي باثني عشر ألفا، ثم نودي في الناس الصلاة جامعة، قال: فخطب المختار الناس فقال: إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله، وإنه قد كان في بنى إسرائيل تابوت يستنصرون به، وإن هذا مثله، ثم أمر فكشف عنه أثوابه وقامت السبابية فرفعوا أيديهم وكبروا ثلاثا، فقام شبث بن ربعي فأنكر على الناس وكاد أن يكفر من يصنع بهذا التابوت هذا التعظيم. وأشار بأن يكسر ويخرج من المسجد ويرمى في الخنس، فشكرها الناس لشبث ابن ربعي، فلما قيل: هذا عبيد الله بن زياد قد أقبل، وبعث المختار ابن الأشتر، بعث معه بالكرسي يحمل على بغل أشهب قد غشي بأثواب الحرير، عن يمينه سبعة وعن يساره سبعة، فلما تواجهوا مع الشاميين كما سيأتي وغلبوا الشاميين وقتلوا ابن زياد، ازداد تعظيمهم لهذا الكرسي حتى بلغوا به الكفر، قال الطفيل بن جعدة فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، وندمت على ما صنعت، وتكلم الناس في هذا الكرسي وكثر عيب الناس له، فغيب حتى لا يرى بعد ذلك.
وذكر ابن الكلبي أن المختار طلب من آل جعدة بن هبيرة الكرسي الّذي كان على يجلس عليه فقالوا: ما عندنا شيء مما يقول الأمير، فألح عليهم حتى علموا أنهم لو جاءوا بأي كرسي كان لقبله منهم، فحملوا إليه كرسيا من بعض الدور فقالوا: هذا هو، فخرجت شيام وشاكر وسائر رءوس المختارية وقد عصبوه بالحرير والديباج. وحكى أبو مخنف أن أول من سدن هذا الكرسي موسى بن أبى موسى الأشعري، ثم إن الناس عتبوا عليه في ذلك، فرفعه إلى حوشب البرسمي، وكان صاحبه حتى هلك المختار قبحه الله. ويروى أن المختار كان يظهر أنه لا يعلم بما يعظم أصحابه هذا الكرسي، وقد قال في هذا الكرسي أعشى همدان: -
شهدت عليكم أنكم سبائية … وأنى بكم يا شرطة الشرك عارف
وأقسم ما كرسيكم بسكينة … وان كان قد لفت عليه اللفائف
وأن ليس كالتابوت فينا وإن سعت … شبام حواليه ونهد وخارف
وإني امرؤ أحببت آل محمد … وتابعت وحيا ضمنته المصاحف
وتابعت عبد الله لما تتابعت … عليه قريش شمطها والغطارف