وَيْحَكُمْ!! اشْفُوا صُدُورَكُمْ مِنْهُ، وَارْوُوا رِمَاحَكُمْ وَسُيُوفَكُمْ مِنْ دَمِهِ، هَذَا الَّذِي فَعَلَ فِي آلِ نَبِيِّكُمْ مَا فَعَلَ، قَدْ جَاءَكُمُ اللَّهُ بِهِ، ثُمَّ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَأَمْثَالِهِ، ثُمَّ نَزَلَ تَحْتَ رَايَتِهِ [١]] وَأَقْبَلَ ابْنُ زِيَادٍ فِي خيله ورجله فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ قَدْ جَعَلَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ، عُمَيْرَ بْنَ الْحُبَابِ السُّلَمِيَّ- وَكَانَ قَدِ اجْتَمَعَ بِابْنِ الْأَشْتَرِ وَوَعْدَهُ أَنَّهُ مَعَهُ وَأَنَّهُ سَيَنْهَزِمُ بِالنَّاسِ غَدًا- وعلى خيل ابن زياد شرحبيل بن الْكَلَاعِ، وَابْنُ زِيَادٍ فِي الرَّجَّالَةِ يَمْشِي مَعَهُمْ. فما كان إلا أن تواقفا الْفَرِيقَانِ حَتَّى حَمَلَ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ بِالْمَيْمَنَةِ عَلَى مَيْسَرَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَهَزَمَهَا، وَقُتِلَ أَمِيرُهَا عَلِيُّ بْنُ مَالِكٍ الْجُشَمِيُّ فَأَخْذَ رَايَتَهُ مِنْ بعده ولده محمد بْنُ عَلِيٍّ فَقُتِلَ أَيْضًا، وَاسْتَمَرَّتِ الْمَيْسَرَةُ ذَاهِبَةً فجعل الْأَشْتَرِ يُنَادِيهِمْ إِلَيَّ يَا شُرْطَةَ اللَّهِ، أَنَا ابْنُ الْأَشْتَرِ، وَقَدْ كَشَفَ عَنْ رَأْسِهِ لِيَعْرِفُوهُ، فَالْتَاثُوا بِهِ وَانْعَطَفُوا عَلَيْهِ، وَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ حَمَلَتْ مَيْمَنَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى مَيْسَرَةِ أَهْلِ الشَّامِ. [وَقِيلَ بَلِ انْهَزَمَتْ مَيْسَرَةُ أَهْلِ الشَّامِ وَانْحَازَتْ إِلَى ابْنِ الْأَشْتَرِ، ثُمَّ حَمَلَ ابْنُ الْأَشْتَرِ بِمَنْ مَعَهُ وَجَعَلَ يَقُولُ لِصَاحِبِ رَايَتِهِ:
ادْخُلْ بِرَايَتِكَ فِيهِمْ، وَقَاتَلَ ابْنُ الْأَشْتَرِ يَوْمَئِذٍ قِتَالًا عَظِيمًا، وَكَانَ لَا يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ رَجُلًا إِلَّا صَرَعَهُ، وَكَثُرَتِ الْقَتْلَى بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ إِنَّ مَيْسَرَةَ أَهْلِ الشَّامِ] [٢] ثَبَتُوا وَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا بِالرِّمَاحِ ثُمَّ بِالسُّيُوفِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْحَمْلَةَ ابْنُ الْأَشْتَرِ فَانْهَزَمَ جَيْشُ الشَّامِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يقتلهم كما يقتل الْحُمْلَانِ، وَأَتْبَعَهُمْ بِنَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الشُّجْعَانِ، وَثَبَتَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فِي مَوْقِفِهِ حَتَّى اجْتَازَ بِهِ ابْنُ الْأَشْتَرِ فَقَتَلَهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، لَكِنْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: الْتَمِسُوا فِي القتلى رجلا ضربته بالسيف فنفحتنى مِنْهُ رِيحُ الْمِسْكِ، شَرَّقَتْ يَدَاهُ وَغَرَّبَتْ رِجْلَاهُ، وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ رَايَةٍ مُنْفَرِدَةٍ عَلَى شَاطِئِ نَهْرِ خَازِرَ: فَالْتَمَسُوهُ فَإِذَا هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، وَإِذَا هُوَ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنُ الْأَشْتَرِ فَقَطَعَهُ نِصْفَيْنِ، فَاحْتَزُّوا رَأَسَهُ وَبَعَثُوهُ إِلَى الْمُخْتَارِ إِلَى الْكُوفَةِ مَعَ الْبِشَارَةِ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ بِأَهْلِ الشَّامِ، وَقُتِلَ مِنْ رُءُوسِ أَهْلِ الشَّامِ أَيْضًا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ ذِي الْكَلَاعِ، وَأَتْبَعَ الْكُوفِيُّونَ أَهْلَ الشَّامِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وَغَرِقَ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ قُتِلَ، واحتازوا ما فِي مُعَسْكَرِهِمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْخُيُولِ، وَقَدْ كَانَ الْمُخْتَارُ بِشَّرَ أَصْحَابَهُ بِالنَّصْرِ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ الْخَبَرُ، فَمَا نَدْرِي أَكَانَ ذَلِكَ تَفَاؤُلًا مِنْهُ أَوِ اتِّفَاقًا وَقْعَ لَهُ، أَوْ كِهَانَةً. وَأَمَّا عَلَى مَا كَانَ يَزْعُمُ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ فَلَا، فَإِنَّ مَنِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ كَفَرَ وَمَنْ أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَفَرَ، لَكِنْ: قَالَ إِنَّ الْوَقْعَةَ كَانَتْ بِنَصِيبِينَ فَأَخْطَأَ مَكَانَهَا، فَإِنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ بِأَرْضِ الْمَوْصِلِ، وَهَذَا مِمَّا انْتَقَدَهُ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ عَلَى أَصْحَابِ الْمُخْتَارِ حِينَ جاءه الخبر، وَقَدْ خَرَجَ الْمُخْتَارُ مِنَ الْكُوفَةِ لِيَتَلَقَّى الْبِشَارَةَ، فَأَتَى الْمَدَائِنَ فَصَعِدَ مِنْبَرَهَا فَبَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ إِذْ جَاءَتْهُ الْبِشَارَةُ وَهُوَ هُنَالِكَ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَقَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أَمَا سَمِعْتُهُ بِالْأَمْسِ يخبرنا بهذا؟ فقلت له: زعم أن الوقعة كانت
[١] ، (٢) سقط من المصرية
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute