للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الله تعالى ﴿كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ﴾ أي نختبرهم بكثرة الحيتان في يوم السبت ﴿بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ أي بسبب فسقهم المتقدم فلما رأوا ذلك احتالوا على اصطيادها في يوم السبت بأن نصبوا الحبال والشباك والشصوص وحفروا الحفر التي يجرى معها الماء الى مصانع قد أعدوها إذا دخلها السمك لا يستطيع أن يخرج منها ففعلوا ذلك في يوم الجمعة فإذا جاءت الحيتان مسترسلة يوم السبت علقت بهذه المصايد فإذا خرج سبتهم أخذوها فغضب الله عليهم ولعنهم لما احتالوا على خلاف أمره وانتهكوا محارمه بالحيل التي هي ظاهرة للناظر وهي في الباطن مخالفة محضة فلما فعل ذلك طائفة منهم افترق الذين لم يفعلوا فرقتين. فرقة أنكروا عليهم صنيعهم هذا واحتيالهم على مخالفة الله وشرعه في ذلك الزمان. وفرقة أخرى لم يفعلوا ولم ينهوا بل أنكروا على الذين نهوا وقالوا ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً﴾ يقولون ما الفائدة في نهيكم هؤلاء وقد استحقوا العقوبة لا محالة فأجابتهم الطائفة المنكرة بان قالوا ﴿مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ﴾ أي فيما أمرنا به من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فنقوم به خوفا من عذابه ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ أي ولعل هؤلاء يتركون ما هم عليه من هذا الصنيع فيقيهم الله عذابه ويعفو عنهم إذا هم رجعوا واستمعوا. قال الله تعالى ﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ﴾ أي لم يلتفتوا الى من نهاهم عن هذا الصنيع الشنيع الفظيع ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ وهم الفرقة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ وهم المرتكبون الفاحشة ﴿بِعَذابٍ بَئِيسٍ﴾ وهو الشديد المؤلم الموجع ﴿بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾. ثم فسر العذاب الّذي أصابهم بقوله ﴿فَلَمّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ﴾. وسنذكر ما ورد من الآيات في ذلك.

والمقصود هنا أن الله أخبر أنه أهلك الظالمين ونجى المؤمنين المنكرين وسكت عن الساكتين. وقد اختلف فيهم العلماء على قولين فقيل إنهم من الناجين وقيل إنهم من الهالكين والصحيح الأول عند المحققين وهو الّذي رجع اليه ابن عباس أمام المفسرين وذلك عن مناظرة مولاه عكرمة فكساه من أجل ذلك حلة سنية تكرمة. قلت وانما لم يذكروا مع الناجين لأنهم وان كرهوا ببواطنهم تلك الفاحشة إلا أنهم كان ينبغي لهم أن يحملوا ظواهرهم بالعمل المأمور به من الإنكار القولى الّذي هو أوسط المراتب الثلاث التي أعلاها الإنكار باليد ذات البنان وبعدها الإنكار القولى باللسان وثالثها الإنكار بالجنان فلما لم يذكروا نجوا مع الناجين إذ لم يفعلوا الفاحشة بل أنكروها. وقد روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس وحكى مالك عن ابن رومان وشيبان عن قتادة وعطاء الخراساني ما مضمونه أن الذين ارتكبوا هذا الصنع اعتزلهم بقية أهل البلد ونهاهم من نهاهم منهم فلم يقبلوا فكانوا يبيتون وحدهم ويغلقون بينهم وبينهم أبوابا حاجزا لما كانوا يترقبون من هلاكهم فأصبحوا ذات يوم وأبواب ناحيتهم مغلقة لم يفتحوها وارتفع النهار واشتد الضحاء فأمر بقية أهل البلد رجلا أن يصعد على سلالم ويشرف عليهم من فوقهم فلما أشرف عليهم إذا هم قردة لها أذناب يتعاوون ويتعادون ففتحوا عليهم الأبواب

<<  <  ج: ص:  >  >>