للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب وشعراؤها تهنئة وتمدحه وتذكر ما كان من حسن بلائه، وأتاه فيمن أتاه وفود قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم، وأمية بن عبد شمس أبى عبد الله (١) وعبد الله بن جدعان، وخويلد بن أسد في أناس من وجوه قريش فقدموا عليه صنعاء، فإذا هو في رأس غمدان الّذي ذكره أمية بن أبى الصلت:

واشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا … في رأس غمدان دارا منك محلالا

فدخل عليه الآذن، فأخبره بمكانهم فاذن لهم، فدنا عبد المطلب فاستأذنه في الكلام فقال له ان كنت ممن يتكلم بين يدي فقد أذنا لك، فقال له عبد المطلب ان الله قد أحلك أيها الملك محلا رفيعا صعبا منيعا، شامخا باذخا، وأنبتك منبتا طابت أرومته، وعزت جرثومته، وثبت أصله، وبسق فرعه في أكرم موطن وأطيب معدن فأنت - أبيت اللعن - ملك العرب وربيعها الّذي تخصب به البلاد، ورأس العرب الّذي له تنقاد، وعمودها الّذي عليه العماد، ومعقلها الّذي يلجأ اليه العباد. وسلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف. فلن يخمد من هم سلفه ولن يهلك من أنت خلفه، ونحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا إليك الّذي أبهجك من كشف الكرب الّذي قد فدحنا، وفد التهنئة لا وفد المرزئة. قال: وأيهم أنت أيها المتكلم؟ قال أنا عبد المطلب بن هاشم. قال ابن أختنا؟ قال نعم، قال ادن فأدناه، ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال مرحبا وأهلا وناقة ورحلا، ومستناخا سهلا، وملكا ربحلا (٢) يعطى عطاء جزلا. قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، فأنتم أهل الليل والنهار، ولكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم، ثم نهضوا الى دار الكرامة والوفود، فأقاموا شهرا لا يصلون اليه ولا يأذن لهم بالانصراف، ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل الى عبد المطلب فادنى مجلسه وأخلاه ثم قال: يا عبد المطلب إني مفض إليك من سر علمي ما لو يكون غيرك لم أبح به. ولكنى رأيتك معدنه فاطلعتك طليعه فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه، فان الله بالغ أمره، انى أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الّذي اخترناه لأنفسنا واحتجناه دون غيرنا خبرا عظيما، وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة. فقال عبد المطلب أيها الملك مثلك سر وبر، فما هو فداؤك أهل الوبر زمرا بعد زمر؟ قال إذا ولد بتهامة، غلام به علامة، بين كتفيه شامة كانت له الإمامة، ولكم به الزعامة الى يوم القيامة. قال عبد المطلب - أبيت اللعن - لقد أبت بخير ما آب به وافد، ولولا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته من بشارته إياي ما ازداد به سرورا. قال ابن ذي يزن هذا حينه الّذي يولد فيه أو قد ولد واسمه محمد. يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه. ولدناه مرارا والله باعثه جهارا، وجاعل له منا أنصارا يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرائم الأرض، يكسر الأوثان ويخمد النيران، يعبد الرحمن ويدحر


(١) كلمة أبى عبد الله. غير موجودة في الدلائل.
(٢) الرجل الكثير العطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>