الله تعالى أخبر أنه استجاب لعبده نوح في دعائه على أهل الأرض بقوله ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً﴾ وقال تعالى ﴿فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ﴾ وقال ﴿وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ﴾ وتقدم في الحديث المروي في المسند والسنن أن نوحا ولد له ثلاثة وهم سام وحام ويافث فسام أبو العرب وحام أبو السودان ويافث أبو الترك فيأجوج ومأجوج طائفة من الترك وهم مغل المغول وهم أشد بأسا وأكثر فسادا من هؤلاء ونسبتهم اليهم كنسبة هؤلاء إلى غيرهم. وقد قيل إن الترك إنما سموا بذلك حين بنى ذو القرنين السد والجأ يأجوج ومأجوج إلى ما وراءه فبقيت منهم طائفة لم يكن عندهم كفسادهم فتركوا من ورائه * فلهذا قيل لهم الترك.
ومن زعم أن يأجوج ومأجوج خلقوا من نطفة آدم حين احتلم فاختلطت بتراب فخلقوا من ذلك وانهم ليسوا من حواء فهو قول حكاه الشيخ أبو زكريا النواوى في شرح مسلم وغيره وضعفوه وهو جدير بذلك إذ لا دليل عليه بل هو مخالف لما ذكرناه من أن جميع الناس اليوم من ذرية نوح بنص القرآن * وهكذا من زعم أنهم على أشكال مختلفة وأطوال متباينة جدا. فمنهم من هو كالنخلة السحوق.
ومنهم من هو غاية في القصر. ومنهم من يفترش أذنا من أذنيه ويتغطى بالأخرى فكل هذه أقوال بلا دليل ورجم بالغيب بغير برهان. والصحيح أنهم من بنى آدم وعلى اشكالهم وصفاتهم. وقد
قال النبي ﷺ(إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا) ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن. وهذا فيصل في هذا الباب وغيره. وما قيل من أن أحدهم لا يموت حتى يرى من ذريته ألفا فان صح في خبر قلنا به والا فلا نرده إذ يحتمله العقل والنقل أيضا قد يرشد اليه والله أعلم. بل قد ورد حديث مصرح بذلك ان صح
قال الطبراني حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصبهاني حدثنا أبو مسعود احمد بن الفرات حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا المغيرة عن مسلم عن أبى إسحاق عن وهب بن جابر عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال (ان يأجوج ومأجوج من ولد آدم ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته الفا فصاعدا. وان من ورائهم ثلاث أمم (تاويل وتاريس ومنسك). وهو حديث غريب جدا واسناده ضعيف. وفيه نكارة شديدة * وأما الحديث الّذي ذكره بن جرير في تاريخه أن رسول الله ﷺ ذهب اليهم ليلة الاسراء فدعاهم إلى الله فامتنعوا من اجابته ومتابعته وأنه دعا تلك الأمم التي هناك (تاريس وتاويل ومنسك) فأجابوه فهو حديث موضوع اختلقه أبو نعيم عمرو بن الصبح أحد الكذابين الكبار الذين اعترفوا بوضع الحديث والله أعلم.
فان قيل فكيف دل الحديث المتفق عليه أنهم فداء المؤمنين يوم القيامة وأنهم في النار ولم يبعث اليهم رسل. وقد قال الله تعالى ﴿وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ فالجواب أنهم لا يعذبون إلا بعد قيام الحجة عليهم والاعذار اليهم كما قال تعالى ﴿وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ فان كانوا في زمن