ثوبا من حواصل الطير، ثم ثقل عليه بعد ذلك، فقال: تبا لك من دار، ملكتك أربعين سنة، عشرين أميرا، وعشرين خليفة، ثم هذا حالي فيك، ومصيري منك، تبا للدنيا ولمحبيها. وقال محمد بن سعد: أنبأنا أبو عبيدة عن أبى يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير. قال: لما ثقل معاوية وتحدث الناس بموته قال لأهله: احشوا عيني إثمدا، وأوسعوا رأسي دهنا، ففعلوا وغرقوا وجهه بالدهن، ثم مهد له مجلس وقال: أسندوني، ثم قال: ائذنوا للناس فليسلموا على قياما ولا يجلس أحد، فجعل الرجل يدخل فيسلم قائما فيراه مكتحلا متدهنا فيقول متقول الناس إن أمير المؤمنين لما به وهو أصح الناس، فلما خرجوا من عنده قال معاوية في ذلك: -
وتجلدي للشامتين أريهم … أنى لريب الدهر لا أتضعضع
وإذا المنية أنشبت أظفارها … ألفيت كل تميمة لا تنفع
قال: وكان به النقابة - يعنى لوقة - فمات من يومه ذلك ﵀. وقال موسى بن عقبة: لما نزل بمعاوية الموت قال: يا ليتني كنت رجلا من قريش بذي طوى، ولم أل من هذا الأمر شيئا. وقال أبو السائب المخزومي: لما حضرت معاوية الوفاة تمثل بقول الشاعر: -
إن تناقش يكن نقاشك يا رب … عذابا لا طوق لي بالعذاب
أو تجاوز تجاوز العفو واصفح … عن مسيء ذنوبه كالتراب
وقال بعضهم: لما احتضر معاوية جعل أهله يقلبونه فقال لهم: أي شيخ تقلبون؟ إن نجاه الله من عذاب النار غدا.
وقال محمد بن سيرين: جعل معاوية لما احتضر يضع خدا على الأرض ثم يقلب وجهه ويضع الخد الآخر ويبكى ويقول: اللهمّ إنك قلت في كتابك ﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ اللهمّ فاجعلني فيمن تشاء أن تغفر له. وقال العتبى عن أبيه: تمثل معاوية عند موته بقول بعضهم وهو في السياق.
هو الموت لا منجا من الموت والّذي … نحاذر بعد الموت أدهى وأفظع
ثم قال: اللهمّ أقل العثرة، وأعف عن الزلة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك، فإنك واسع المغفرة، ليس لذي خطيئة من خطيئته مهرب إلا إليك. ورواه ابن دريد عن أبى حاتم عن أبى عبيدة عن أبى عمرو بن العلاء فذكر مثله، وزاد: ثم مات. وقال غيره: أغمى عليه ثم أفاق فقال لأهله: اتقوا الله فان الله تعالى يقي من اتقاه، ولا يقي من لا يتقى، ثم مات ﵀. وقد روى أبو مخنف عن عبد الملك بن نوفل. قال: لما مات معاوية صعد الضحاك بن قيس المنبر فخطب الناس - وأكفان معاوية على يديه - فقال بعد حمد الله والثناء عليه: إن معاوية الّذي كان سور