للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال له معاوية: أين دارك؟ قال: بالبصرة، قال: وكم اتساعها؟ قال: فرسخان في فرسخين، قال: لا تقل داري بالبصرة، ولكن قل: البصرة في داري. وذكر أن رجلا دخل بابن معه فجلسا على سماط معاوية فجعل ولده يأكل أكلا ذريعا، فجعل معاوية يلاحظه، وجعل أبوه يريد أن ينهاه عن ذلك فلا يفطن، فلما خرجا لامه أبوه وقطعه عن الدخول، فقال له معاوية! أين ابنك التلقامة؟ قال: اشتكى. قال: قد علمت أن أكله سيورثه داء. قال: ونظر معاوية إلى رجل وقف بين يديه يخاطبه وعليه عباءة فجعل يزدريه، فقال: يا أمير المؤمنين إنك لا تخاطب العباءة، إنما يخاطبك من بها. وقال معاوية: أفضل الناس من إذا أعطى شكر، وإذا ابتلى صبر، وإذا غضب كظم، وإذا قدر غفر، وإذا وعد أنجز، وإذا أساء استغفر. وكتب رجل من أهل المدينة إلى معاوية بن أبى سفيان : إذا الرجال ولدت أولادها، واضطربت من كبر أعضادها وجعلت أسقامها تعتادها، فهي زروع قددنا حصادها. فقال معاوية: نعى إليّ نفسي (١)] وقال ابن أبى الدنيا: حدثني هارون بن سفيان عن عبد الله السهمي حدثني ثمامة بن كلثوم أن آخر خطبة خطبها معاوية أن قال: أيها الناس! إن من زرع قد استحصد، وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدي خير منى، وإنما يليكم من هو شر منى، كما كان من وليكم قبلي خيرا منى، ويا يزيد إذا دنا أجلى فول غسلي رجلا لبيبا، فان اللبيب من الله بمكان، فلينعم الغسل وليجهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ثياب رسول الله وقراضة من شعره وأظفاره، فاستودع القراضة أنفى وفمي، وأذنى وعيني، واجعل ذلك الثوب مما يلي جلدي دون لفافى، ويا يزيد احفظ وصية الله في الوالدين، فإذا أدرجتمونى في جريدتى ووضعتموني في حفرتي فخلوا معاوية وأرحم الراحمين. وقال بعضهم: لما احتضر معاوية جعل يقول: -

لعمري لقد عمرت في الدهر برهة … ودانت لي الدنيا بوقع البواتر

وأعطيت حمر المال والحكم والنهى … ولي سلمت كل الملوك الجبابر

فأضحى الّذي قد كان مما يسرّنى … كحكم مضى في المزمنات الغوابر

فيا ليتني لم أعن في الملك ساعة … ولم أسع في لذات عيش نواضر

وكنت كذي طمرين عاش ببلغة … فلم يك حتى زار ضيق المقابر

وقال محمد بن سعد. أنبأنا على بن محمد عن محمد بن الحكم عمن حدثه أن معاوية لما احتضر أوصى بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال - كأنه أراد أن يطيب له - لأن عمر بن الخطاب قاسم عماله. وذكروا أنه في آخر عمره اشتد به البرد فكان إذا لبس أو تغطى بشيء ثقيل يغمه، فاتخذ له


(١) سقط من نسخة طوب قبو بالأستانة.

<<  <  ج: ص:  >  >>