للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومشيئتك، وأنت الّذي في السماء إله وفي الأرض إله، تتجلى لما تشاء مثل تجليك في مشيئتك كأحسن الصورة، والصورة فيها الروح الناطقة بالعلم والبيان والقدرة، ثم إني أو عزت إلى شاهدك لأني في ذاتك الهوى كيف أنت إذا مثلت بذاتى عند حلول لذاتي، ودعوت إلى ذاتي بذاتى، وأبديت حقائق علومى ومعجزاتي، صاعدا في معارجي إلى عروش أزلياتى عند التولي عن برياتي، إني احتضرت وقتلت وصلبت وأحرقت واحتملت سافيات الذاريات. ولججت في الجاريات، وأن ذرة من ينجوج مكان هالوك متجلياتى، لأعظم من الراسيات. ثم أنشأ يقول:

أنعى إليك نفوسا طاح شاهدها … فيما ورا الحيث بل في شاهد القدم

أنعى إليك قلوبا طالما هطلت … سحائب الوحي فيها أبحر الحكم

أنعى إليك لسان الحق منك ومن … أودى وتذكاره في الوهم كالعدم

أنعى إليك بيانا يستكين له … أقوال كل فصيح مقول فهم

أنعى إليك إشارات العقول معا … لم يبق منهن إلا دارس العلم

أنعى وحبك أخلاقا لطائفة … كانت مطاياهم من مكمد الكظم

مضى الجميع فلا عين ولا أثر … مضى عاد وفقدان الأولى إرم

وخلفوا معشرا يحذون لبستهم … أعمى من البهم بل أعمى من النعم

قالوا: ولما أخرج الحلاج من المنزل الّذي بات فيه ليذهب به إلى القتل أنشد:

طلبت المستقر بكل أرض … فلم أر لي بأرض مستقرا

وذقت من الزمان وذاق منى … وجدت مذاقه حلوا ومرا

أطعت مطامعى فاستعبدتنى … ولو أنى قنعت لعشت حرا

وقيل: إنه قالها حين قدم إلى الجذع ليصلب، والمشهور الأول. فلما أخرجوه للصلب مشى إليه وهو يتبختر في مشيته وفي رجليه ثلاثة عشر قيدا وجعل ينشد ويتمايل:

نديمى غير منسوب * إلى شيء من الحيف … سقاني مثل ما يشر * ب فعل الضيف بالضيف

فلما دارت الكأس * دعا بالنطع والسيف … كذا من يشرب الراح * مع التنين في الصيف

ثم قال: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ ثم لم ينطق بعد ذلك حتى فعل به ما فعل. قالوا: ثم قدم فضرب ألف سوط ثم قطعت يداه ورجلاه وهو في ذلك كله ساكت ما نطق بكلمة، ولم يتغير لونه، ويقال إنه جعل يقول مع كل سوط أحد أحد.

قال أبو عبد الرحمن: سمعت عبد الله بن على يقول سمعت عيسى القصار يقول: آخر كلمة تكلم بها الحلاج حين قتل أن قال: حسب الواحد إفراد الواحد له. فما سمع بهذه الكلمة أحد من المشايخ إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>