للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقود، فقال جبلة: أترون أنى جاعل وجهي بدلا لوجه مازني جاء من ناحية المدينة؟ بئس الدين هذا، ثم ارتد نصرانيا وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان:

إن صديقك جبلة ارتد عن الإسلام، فقال: ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ،﴾ ثم قال: ولم؟ قال لطمه رجل من مزينة فقال: وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه. ورواه الواقدي عن معمر وغيره عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس وساق ذلك بأسانيده إلى جماعة من الصحابة. وهذا القول هو أشهر الأقوال. وقد روى ابن الكلبي وغيره أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه، ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة، وقيل بل استأذنه جبلة في القدوم عليه فأذن له فركب في خلق كثير من قومه، قيل مائة وخمسين راكبا، وقيل خمسمائة، وتلقته هدايا عمر ونزله قبل أن يصل إلى المدينة بمراحل، وكان يوم دخوله يوما مشهودا دخلها وقد ألبس خيوله قلائد الذهب والفضة، ولبس تاجا على رأسه مرصعا باللآلئ والجواهر، وفيه قرطا مارية جدته، وخرج أهل المدينة رجالهم ونساؤهم ينظرون إليه، فلما سلم على عمر رحب به عمر وأدنى مجلسه، وشهد الحج مع عمر في هذه السنة، فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطئ إزاره رجل من بنى فزارة فانحل، فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل، ومن الناس من يقول: إنه قلع عينه، فاستعدى عليه الفزاري إلى عمرو معه خلق كثير من بنى فزارة، فاستحضره عمر فاعترف جبلة، فقال له عمر: أقدته منك. فقال: كيف وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال:

إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى، فقال جبلة: قد كنت أظن أن أكون في الإسلام أعز منى في الجاهلية، فقال عمر: دع ذا عنك، فإنك إن لم ترض الرجل أقدته منك، فقال إذا أتنصر، فقال إن تنصرت ضربت عنقك، فلما رأى الحد: قال سأنظر في أمرى هذه الليلة، فانصرف من عند عمر، فلما ادلهمّ الليل ركب في قومه ومن أطاعه فسار إلى الشام ثم دخل بلاد الروم ودخل على هرقل في مدينة القسطنطينية فرحب به هرقل وأقطعه بلادا كثيرة، وأجرى عليه أرزاقا جزيلة، وأهدى إليه هدايا جميلة، وجعله من سماره، فمكث عنده دهرا. ثم إن عمر كتب كتابا إلى هرقل مع رجل يقال له جثامة بن مساحق الكناني، فلما بلغ هرقل كتاب عمر بن الخطاب قال له هرقل: هل لقيت ابن عمك جبلة؟ قال: لا! قال فالقه، فذكر اجتماعه به وما هو فيه من النعمة والسرور والحبور الدنيوي، في لباسه وفرشه ومجلسه وطيبه وجواريه، حواليه الحسان من الخدم والقيان، ومطعمه وشرابه وسروره وداره التي تعوض بها عن دار الإسلام، وذكر أنه دعاه إلى الإسلام والعود إلى الشام فقال: أبعد ما كان منى من الارتداد؟ فقال: نعم! إن الأشعث بن قيس ارتد وقاتلهم بالسيوف، ثم لما رجع إلى الحق قبله منه وزوجه الصديق بأخته أم فروة، قال: فالتهى عنه بالطعام والشراب، وعرض عليه الخمر فأبى عليه، وشرب جبلة من الخمر شيئا كثيرا حتى سكر

<<  <  ج: ص:  >  >>