قوله:
ملك الثلاث الناشئات عناني … وحللن من قلبي بكل مكان
ما لي تطاوعني البرية كلها … وأطيعهن وهنّ في عصياني
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى … وبه قوين أعز من سلطاني
ومما أورد له صاحب العقد في كتابه:
تبدي الصدود وتخفى الحب عاشقة … فالنفس راضية والطرف غضبان
وذكر ابن جرير وغيره أنه كان في دار الرشيد من الجواري والحظايا وخدمهن وخدم زوجته وأخواته أربعة آلاف جارية، وأنهن حضرن يوما بين يديه فغنته المطربات منهن فطرب جدا، وأمر بمال فنثر عليهنّ. وكان مبلغ ما حصل لكل واحدة منهن ثلاثة آلاف درهم في ذلك اليوم.
رواه ابن عساكر أيضا.
وروى أنه اشترى جارية من المدينة فأعجب بها جدا فأمر بإحضار مواليها ومن يلوذ بهم ليقضى حوائجهم، فقدموا عليه بثمانين نفسا فأمر الحاجب - وهو الفضل بن الربيع - أن يتلقاهم ويكتب حوائجهم، فكان فيهم رجل قد أقام بالمدينة لأنه كان يهوى تلك الجارية، فبعثت إليه فأتى به فقال له الفضل: ما حاجتك؟ قال: حاجتي أن يجلسني أمير المؤمنين مع فلانة فأشرب ثلاثة أرطال من خمر، وتغنيني ثلاثة أصوات. فقال: أمجنون أنت؟ فقال: لا ولكن اعرض حاجتي هذه على أمير المؤمنين. فذكر للرشيد ذلك فأمر بإحضاره وأن تجلس معه الجارية بحيث ينظر إليهما ولا يريانه فجلست على كرسي والخدام بين يديها، وأجلس على كرسي فشرب رطلا وقال لها غنني:
خليلي عوجا بارك الله فيكما … وإن لم تكن هند بأرضكما قصدا
وقولا لها ليس الضلال أجازنا … ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا
غدا يكثر البادون منا ومنكم … وتزداد داري من دياركم بعدا
قال: فغنته ثم استعجله الخدم فشرب رطلا آخر، وقال: غنني جعلت فداك:
تكلم منا في الوجوه عيوننا … فنحن سكوت والهوى يتكلم
ونغضب أحيانا ونرضى بطرفنا … وذلك فيما بيننا ليس يعلم
قال: فغنته. ثم شرب رطلا ثالثا وقال: غنني جعلني الله فداك:
أحسن ما كنا تفرقنا … وخاننا الدهر وما خنا
فليت ذا الدهر لنا مرة … عاد لنا يوما كما كنا
قال ثم قام الشاب إلى درجة هناك ثم ألقى نفسه من أعلاها على أم رأسه فمات. فقال الرشيد:
عجل الفتى، والله لو لم يعجل لوهبتها له.