إلى قرمط بن الأشعث البقار، وقيل إن رئيسهم كان في أول دعوته يأمر من اتبعه بخمسين صلاة في كل يوم وليلة ليشغلهم بذلك عما يريد تدبيره من المكيدة. ثم اتخذ نقباء اثنى عشر، وأسس لأتباعه دعوة ومسلكا يسلكونه ودعا إلى إمام أهل البيت، ويقال لهم الباطنية لأنهم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض، والجرمية والبابكية نسبة إلى بابك الجرمي الّذي ظهر في أيام المعتصم وقتل كما تقدم. ويقال لهم المحمرة نسبة إلى صبغ الحمرة شعارا مضاهاة لبني العباس ومخالفة لهم، لأن بنى العباس يلبسون السواد. ويقال لهم التعليمية نسبة إلى التعلم من الامام المعصوم. وترك الرأى ومقتضى العقل. ويقال لهم السبعية نسبة إلى القول بأن الكواكب السبعة المتحيزة السائرة مدبرة لهذا العالم فيما يزعمون لعنهم الله. وهي القمر في الأولى، وعطارد في الثانية، والزهرة في الثالثة، والشمس في الرابعة، والمريخ في الخامسة، والمشترى في السادسة، وزحل في السابعة. قال ابن الجوزي: وقد بقي من البابكية جماعة يقال إنهم يجتمعون في كل سنة ليلة هم ونساؤهم ثم يطفئون المصباح وينتهبون النساء فمن وقعت يده في امرأة حلت له. ويقولون هذا اصطياد مباح لعنهم الله.
وقد ذكر ابن الجوزي تفصيل قولهم وبسطه، وقد سبقه إلى ذلك أبو بكر الباقلاني المتكلم المشهور في كتابه «هتك الأستار وكشف الأسرار» في الرد على الباطنية، ورد على كتابهم الّذي جمعه بعض قضاتهم بديار مصرفى أيام الفاطميين الّذي سماه «البلاغ الأعظم والناموس الأكبر» وجعله ست عشرة درجة أول درجة أن يدعو من يجتمع به أولا إن كان من أهل السنة إلى القول بتفضيل على على عثمان بن عفان، ثم ينتقل به إذا وافقه على ذلك إلى تفضيل على على الشيخين أبى بكر وعمر، ثم يترقى به إلى سبهما لأنهما ظلما عليا وأهل البيت، ثم يترقى به إلى تجهيل الأمة وتخطئتها في موافقة أكثرهم على ذلك، ثم يشرع في القدح في دين الإسلام من حيث هو. وقد ذكر لمخاطبته لمن يريد أن يخاطبه بذلك شبها وضلالات لا تروج إلا على كل غبي جاهل شقي. كما قال تعالى ﴿وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ أي يضل به من هو ضال. وقال ﴿فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ * ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ * إِلاّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ﴾ وقال ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ إلى غير ذلك من الآيات التي تتضمن أن الباطل والجهل والضلال والمعاصي لا ينقاد لها إلا شرار الناس كما قال بعض الشعراء:
إن هو مستحوذ على أحد … إلا على أضعف المجانين
ثم بعد هذا كله لهم مقامات في الكفر والزندقة والسخافة مما ينبغي لضعيف العقل والدين أن ينزه