لما لقوا منهم من القتل والجراح، فلما وصلوا الى هيت إذا سعد بن حذيفة بن اليمان قد أقبل بمن معه من أهل المدائن، قاصدين إلى نصرتهم، فلما أخبروه بما كان من أمرهم وما حل بهم، ونعوا إليه أصحابهم ترحموا عليهم واستغفروا لهم وتباكوا على إخوانهم، وانصرف أهل المدائن إليها، ورجع راجعة أهل الكوفة إليها، وقد قتل منهم خلق كثير وجم غفير، وإذا المختار بن أبى عبيد كما هو في السجن لم يخرج منه، فكتب إلى رفاعة بن شداد يعزيه فيمن قتل منهم ويترحم عليهم ويغبطهم بما نالوا من الشهادة، وجزيل الثواب [ويقول: مرحبا بالذين أعظم الله أجورهم ورضى عنهم، والله ما خطا منهم أحد خطوة إلا كان ثواب الله له فيها أعظم من الدنيا وما فيها، وإن سليمان قد قضى ما عليه وتوفاه الله وجعل روحه في أرواح النبيين والشهداء والصالحين، وبعد فأنا الأمير المأمون، قاتل الجبارين والمفسدين إن شاء الله، فأعدوا واستعدوا وأبشروا، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، والطلب بدماء أهل البيت. وذكر كلاما كثيرا في هذا المعنى](١) وقد كان قبل قدومهم أخبر الناس بهلاكهم عن ربه الّذي كان يأتى إليه من الشياطين، فإنه قد كان يأتى إليه شيطان فيوحي إليه قريبا مما كان يوحى شيطان مسيلمة إليه، وكان جيش سليمان بن صرد وأصحابه يسمى بجيش التوابين ﵏، وقد كان سليمان بن صرد الخزرجي صحابيا جليلا نبيلا عابدا زاهدا، روى عن النبي ﷺ أحاديث في الصحيحين وغيرهما، وشهد مع على صفين، وكان أحد من كان يجتمع الشيعة في داره لبيعة الحسين، وكتب إلى الحسين فيمن كتب بالقدوم إلى العراق، فلما قدمها تخلوا عنه وقتل بكربلاء بعد ذلك، ورأى هؤلاء أنهم كانوا سببا في قدومه، وأنهم خذلوه حتى قتل هو وأهل بيته، فندموا، على ما فعلوا معه، ثم اجتمعوا في هذا الجيش وسموا جيشهم جيش التوابين، وسموا أميرهم سليمان بن صرد أمير التوابين، فقتل سليمان ﵁ في هذه الوقعة بعين وردة سنة خمس وستين، وقيل سنة سبع وستين، والأول أصح. وكان عمره يوم قتل ثلاثا وتسعين سنة ﵀. وحمل رأسه ورأس المسيب بن نجية إلى مروان بن الحكم بعد الوقعة، وكتب أمراء الشاميين إلى مروان بما فتح الله عليهم وأظفرهم من عدوهم، فخطب الناس وأعلمهم بما كان من أمر الجنود ومن قتل من أهل العراق، وقد قال: أهلك الله رءوس الضلال سليمان ابن صرد وأصحابه، وعلق الرءوس بدمشق، وكان مروان بن الحكم قد عهد بالأمر من بعده إلى ولديه عبد الملك ثم من بعده عبد العزيز، وأخذ بيعة الأمراء على ذلك في هذه السنة، قاله ابن جرير وغيره.
وفيها دخل مروان بن الحكم وعمرو بن سعيد الأشدق إلى الديار المصرية فأخذاها من نائبها الّذي كان لعبد الله بن الزبير، وهو عبد الرحمن بن حجدم، وكان سبب ذلك أن مروان قصدها