الحامدين، وأن ينصحوا الجماعة المسلمين، وأوصى أنى قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، وأوصى لعبد الله بن محمد المعروف ببوران على نحو من خمسين دينارا وهو مصدق فيها فيقضى ماله على من غلة الدار إن شاء الله، فإذا استوفى أعطى ولد صالح كل ذكر وأنثى عشرة دراهم.
ثم استدعى بالصبيان من ورثته فجعل يدعو لهم، وكان قد ولد له صبي قبل موته بخمسين يوما فسماه سعيدا، وكان له ولد آخر اسمه محمد قد مشى حين مرض فدعا، فالتزمه وقبله ثم قال: ما كنت أصنع بالولد على كبر السن؟ فقيل له: ذرية تكون بعدك يدعون لك. قال وذاك إن حصل. وجعل يحمد الله تعالى. وقد بلغه في مرضه عن طاوس أنه كان يكره أنين المريض فترك الأنين فلم يئن حتى كانت الليلة التي توفى في صبيحتها أنّ، وكانت ليلة الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول من هذه السنة، فأنّ حين اشتد به الوجع. وقد روى عن ابنه عبد الله ويروى عن صالح أيضا أنه قال:
حين احتضر أبى جعل يكثر أن يقول: لا بعد، لا بعد، فقلت: يا أبة ما هذه اللفظة التي تلهج بها في هذه الساعة؟ فقال: يا بنى إن إبليس واقف في زاوية البيت وهو عاض على إصبعه وهو يقول: فتنى يا أحمد؟ فأقول لا بعد لا بعد - يعنى لا يفوته حتى تخرج نفسه من جسده على التوحيد - كما جاء في بعض الأحاديث قال إبليس: يا رب وعزتك وجلالك ما أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الله: وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفرونى.
وأحسن ما كان من أمره أنه أشار إلى أهله أن يوضئوه فجعلوا يوضئونه وهو يشير إليهم أن خللوا أصابعى وهو يذكر الله ﷿ في جميع ذلك، فلما أكملوا وضوءه توفى ﵀ ورضى عنه. وقد كانت وفاته يوم الجمعة حين مضى منه نحو من ساعتين، فاجتمع الناس في الشوارع وبعث محمد بن طاهر حاجبه ومعه غلمان ومعهم مناديل فيها أكفان، وأرسل يقول: هذا نيابة عن الخليفة، فإنه لو كان حاضرا لبعث بهذا. فأرسل أولاده يقولون: إن أمير المؤمنين كان قد أعفاه في حياته مما يكره وأبوا أن يكفنوه بتلك الأكفان، وأتى بثوب كان قد غزلته جاريته فكفنوه واشتروا معه عوز لفافة وحنوطا، واشتروا له راوية ماء وامتنعوا ان يغسلوه بماء بيوتهم، لأنه كان قد هجر بيوتهم فلا يأكل منها ولا يستعير من أمتعتهم شيئا، وكان لا يزال متغضبا عليهم لأنهم كانوا يتناولون ما رتب لهم على بيت المال، وهو في كل شهر أربعة آلاف درهم. وكان لهم عيال كثيرة وهم فقراء. وحضر غسله نحو من مائة من بيت الخلافة من بنى هاشم، فجعلوا يقبلون بين عينيه ويدعون له ويترحمون عليه ﵀. وخرج الناس بنعشه والخلائق حوله من الرجال والنساء ما لم يعلم عددهم إلا الله، ونائب البلد محمد بن عبد الله بن طاهر واقف في جملة الناس، ثم تقدم فعزى أولاد الامام أحمد فيه، وكان هو الّذي أم الناس في الصلاة عليه، وقد أعاد جماعة الصلاة عليه عند القبر وعلى القبر بعد أن دفن من أجل