للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نتنازع هذا الأمر. ثم قام فخطب الناس خطبة بليغة وبايعوه، فكان مما قال في خطبته: أيها الناس، إني لست بمبتدع ولكنى متبع، وإن من حولكم من الأمصار والمدن إن أطاعوا كما أطعتم فأنا وإليكم، وإن هم أبوا فلست لكم بوال، ثم نزل، فأخذوا في جهاز سليمان، قال الأوزاعي: فلم يفرغوا منه حتى دخل وقت المغرب، فصلى عمر بالناس صلاة المغرب، ثم صلى على سليمان ودفن بعد المغرب، فلما انصرف عمر أتى بمراكب الخلافة [فأبى أن يركبها] وركب دابته وانصرف مع الناس حتى أتوا دمشق، فمالوا به نحو دار الخلافة فقال: لا أنزل إلا في منزلي (١) حتى تفرغ دار أبى أيوب، فاستحسنوا ذلك منه، ثم استدعى بالكاتب فجعل يملى عليه نسخة الكتاب الّذي يبايع عليه الأمصار، قال رجاء: فما رأيت أفصح منه.

قال محمد بن إسحاق: وكانت وفاة سليمان بن عبد الملك بدابق من أرض قنسرين يوم الجمعة لعشر ليال خلت من صفر سنة تسع وتسعين، على رأس سنتين وتسعة أشهر وعشرين يوما من متوفى الوليد، وكذا قال الجمهور في تاريخ وفاته، ومنهم من يقول: لعشر بقين من صفر، وقالوا: كانت ولايته سنتين وثمانية أشهر، زاد بعضهم إلا خمسة أيام والله أعلم. وقول الحاكم أبى أحمد: إنه توفى يوم الجمعة لثلاث عشر بقين من رمضان سنة تسع وتسعين، حكاه ابن عساكر، وهو غريب جدا، وقد خالفه الجمهور في كل ما قاله، وعندهم أنه جاوز الأربعين فقيل بثلاث وقيل بخمس والله أعلم.

قالوا: وكان طويلا جميلا أبيض نحيفا، حسن الوجه، مقرون الحاجبين، وكان فصيحا بليغا، يحسن العربية ويرجع إلى دين وخير ومحبة للحق وأهله، واتباع القرآن والسنة، وإظهار الشرائع الإسلامية ، وقد كان آلى على نفسه حين خرج من دمشق إلى مرج دابق - ودابق قريبة من بلاد حلب - لما جهز الجيوش إلى مدينة الروم العظمى المسماة بالقسطنطينية، أن لا يرجع إلى دمشق حتى تفتح أو يموت، فمات هنالك كما ذكرنا، فحصل له بهذه النية أجر الرباط في سبيل الله، فهو إن شاء الله ممن يجرى له ثوابه إلى يوم القيامة .

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة شراحيل بن عبيدة بن قيس العقيلي ما مضمونه: إن مسلمة ابن عبد الملك لما ضيق بمحاصرته على أهل القسطنطينية، وتتبع المسالك واستحوذ على ما هنالك من الممالك، كتب إليون ملك الروم إلى ملك البرجان (٢) يستنصره على مسلمة، ويقول له: ليس لهم


(١) كان منزله في موضع مدرسة السميساطية الآن مما يلي باب مسجد بنى أمية الشمالي. أما قصر الخلافة الّذي يسمى (الدار الخضراء) فكان وراء الجدار القبلي من مسجد بنى أمية. ويسمى موضعه الآن (المصبغة الخضراء)
(٢) الأرجح أنهم أمة البلغار، وهم أقرب الأمم النصرانية إلى القسطنطينية.

<<  <  ج: ص:  >  >>