بجهادك ولن يسلمك الله من القصاص أينما كنت والسلام. قال: فطوى محمد بن أبى بكر الكتابين وبعث بهما إلى على وأعلمه بقدوم عمرو إلى مصر في جيش من قبل معاوية، فان كانت لك بأرض مصر حاجة فابعث إلى بأموال ورجال والسلام. فكتب إليه يأمره بالصبر وبمجاهدة العدو، وأنه سيبعث إليه الرجال والأموال، ويمده بما أمكنه من الجيوش. وكتب محمد بن أبى بكر كتابا إلى معاوية في جواب ما قال وفيه غلظة، وكذلك كتب إلى عمرو بن العاص وفيه كلام غليظ وقام محمد ابن أبى بكر في الناس فخطبهم وحثهم على الجهاد ومناجزة من قصدهم من أهل الشام، وتقدم عمرو ابن العاص إلى مصر في جيوشه، ومن لحق به من العثمانية المصريين، والجميع في قريب من ستة عشر ألفا، وركب محمد بن أبى بكر في ألفى فارس الذين انتدبوا معه من المصريين وقدم على جيشه بين يديه كنانة بن بشر فجعل لا يلقاه أحد من الشاميين إلا قاتلهم حتى يلحقهم مغلوبين إلى عمرو ابن العاص، فبعث عمرو بن العاص إليه معاوية بن خديج فجاءه من ورائه وأقبل إليه الشاميون حتى أحاطوا به من كل جانب، فترجل عند ذلك كنانة وهو يتلو ﴿وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً﴾ الآية، ثم قاتل حتى قتل وتفرق أصحاب محمد بن أبى بكر عنه ورجع يمشى فرأى خربة فآوى إليها ودخل عمرو بن العاص فسطاط مصر وذهب معاوية بن خديج في طلب محمد بن أبى بكر فمر بعلوج في الطريق فقال لهم: هل مر بكم أحد تستنكرونه؟ قالوا: لا! فقال رجل منهم:
إني رأيت رجلا جالسا في هذه الخربة، فقال: هو هو ورب الكعبة: فدخلوا عليه فاستخرجوه منها - وقد كاد يموت عطشا - فانطلق أخوه عبد الرحمن بن أبى بكر إلى عمرو بن العاص - وكان قد قدم معه إلى مصر - فقال: أيقتل أخى صبرا؟ فبعث عمرو بن العاص إلى معاوية بن خديج أن يأتيه بمحمد بن أبى بكر ولا يقتله فقال معاوية: كلا والله، أيقتلون كنانة بن بشر وأترك محمد بن أبى بكر، وقد كان ممن قتل عثمان وقد سألهم عثمان الماء، وقد سألهم محمد بن أبى بكر أن يسقوه شربة من الماء فقال معاوية: لا سقاني الله إن سقيتك قطرة من الماء أبدا، إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما فتلقاه الله بالرحيق المختوم. وقد ذكر ابن جرير وغيره أن محمد بن أبى بكر نال من معاوية بن خديج هذا ومن عمرو بن العاص ومن معاوية ومن عثمان بن عفان أيضا، فعند ذلك غضب معاوية بن خديج فقدمه فقتله ثم جعله في جيفة حمار فأحرقه بالنار، فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا وضمت عياله إليها، وكان فيهم ابنه القاسم وجعلت تدعو على معاوية وعمرو بن العاص دبر الصلوات.
وذكر الواقدي أن عمرو بن العاص قدم مصر في أربعة آلاف فيهم أبو الأعور السلمي فالتقوا مع المصريين بالمسناة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى قتل كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي، فهرب عند