للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَبِيلُ الْمَوْتِ غَايَةُ كُلِّ حَيٍّ ... وَدَاعِيهِ لِأَهْلِ الأرض داع

فمن لَا يَغْتَبِطْ يَسْأَمْ وَيَهْرَمْ ... وَتُسْلِمْهُ الْمَنُونُ إِلَى انقطاعي

وَمَا لِلْمَرْءِ خَيْرٌ فِي حَيَاةٍ ... إِذَا مَا عد من سقط المتاعى

ذكرها صاحب الحماسة واستحسنها ابن خلكان كَثِيرًا وَفِيهَا تُوُفِّيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَمِيرُ الْجَيْشِ الَّذِي دَخَلَ بِلَادَ التُّرْكِ وَقَاتَلُوا رُتْبِيلَ مَلِكَ التُّرْكِ، وَقَدْ قُتِلَ مِنْ جَيْشِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مَعَ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَقَدْ دَخَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَلَى الْحَجَّاجِ مَرَّةً وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ فَقَالَ لَهُ الحجاج: وكم خَتَمْتَ بِخَاتَمِكَ هَذَا؟

قَالَ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ، قَالَ فَفِيمَ أَنْفَقْتَهَا؟ قَالَ: فِي اصطناع المعروف، ورد الملهوف والمكافأة بالصناع وَتَزْوِيجِ الْعَقَائِلِ. وَقِيلَ إِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ عَطَشَ يَوْمًا فَأَخْرَجَتْ لَهُ امْرَأَةٌ كُوزَ مَاءٍ بَارِدٍ فَأَعْطَاهَا ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَقِيلَ إِنَّهُ أُهْدِيَ إِلَيْهِ وَصَيْفٌ وَوَصِيفَةٌ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ خُذْهُمَا لَكَ، ثُمَّ فَكَّرَ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ إِيثَارَ بَعْضِ الْجُلَسَاءِ عَلَى بَعْضٍ لَشُحٌّ قَبِيحٌ وَدَنَاءَةٌ رَدِيئَةٌ، ثُمَّ قَالَ يَا غُلَامُ ادْفَعْ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جُلَسَائِي وَصَيْفًا وَوَصِيفَةً، فَأُحْصِيَ ذَلِكَ فَكَانُوا ثَمَانِينَ وَصَيْفًا وَوَصِيفَةً.

تُوُفِّيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ ببست وقيل بذرخ والله سبحانه وتعالى أعلم وأحلم، والحمد للَّه رب العالمين

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ

ففيها كان السيل الحجاف بمكة لأنه حجف على كل شيء فذهب به، وحمل الحجاج من بطن مكة الجمال بِمَا عَلَيْهَا، وَالرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُنْقِذَهُمْ مِنْهُ، وَبَلَغَ الْمَاءُ إِلَى الْحَجُونِ، وَغَرِقَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَقِيلَ إِنَّهُ ارْتَفَعَ حَتَّى كَادَ أَنْ يُغَطِّيَ الْبَيْتَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ بالبصرة في هذه السنة الطاعون، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِيهَا قَطَعَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صفرة نهر، وَأَقَامَ بِكَشَّ سَنَتَيْنِ صَابِرًا مُصَابِرًا لِلْأَعْدَاءِ مِنَ الْأَتْرَاكِ، وَجَرَتْ لَهُ مَعَهُمْ هُنَاكَ فُصُولٌ يُطُولُ ذكرها، وفد عليه في غضون هَذِهِ الْمُدَّةِ كِتَابُ ابْنُ الْأَشْعَثِ بِخَلْعِهِ الْحَجَّاجَ، فَبَعَثَهُ الْمُهَلَّبُ بِرُمَّتِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ حَتَّى قَرَأَهُ ثُمَّ كَانَ مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ حُرُوبِ ابْنِ الْأَشْعَثِ، وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ جَهَّزَ الْحَجَّاجُ الْجُيُوشَ مِنَ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وغيرهما لقتال رتبيل ملك الترك ليقضوا مِنْهُ مَا كَانَ مِنْ قَتْلِ جَيْشِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، فَجَهَّزَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ كُلٍّ مِنَ الْمِصْرَيْنِ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَأَمَّرَ عَلَى الْجَمِيعِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن محمد ابن الْأَشْعَثِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ الْحَجَّاجُ يُبْغِضُهُ جِدًّا، حتى قال مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ إِلَّا هَمَمْتُ بِقَتْلِهِ، وَدَخَلَ ابْنُ الْأَشْعَثِ يَوْمًا عَلَى الْحَجَّاجِ وَعِنْدَهُ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ فَقَالَ انْظُرْ إِلَى مِشْيَتِهِ وَاللَّهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَأَسَرَّهَا الشَّعْبِيُّ إِلَى ابْنِ الْأَشْعَثِ فَقَالَ ابْنُ الْأَشْعَثِ: وَأَنَا وَاللَّهِ لأجهدت أَنْ أُزِيلَهُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>