إسرائيل، وقص الله خبره في ذلك فقال تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اِسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ فأخبار محمد صلوات الله وسلامه عليه بأن ذكره موجود في الكتب المتقدمة، فيما جاء به من القرآن، وفيما ورد عنه من الأحاديث الصحيحة كما تقدم، وهو مع ذلك من أعقل الخلق باتفاق الموافق والمفارق، يدل على صدقه في ذلك قطعا، لأنه لو لم يكن واثقا بما أخبر به من ذلك، لكان ذلك من أشد المنفرات عنه، ولا يقدم على ذلك عاقل، والغرض أنه من أعقل الخلق حتى عند من يخالفه، بل هو أعقلهم في نفس الأمر * ثم إنه قد انتشرت دعوته في المشارق والمغارب، وعمت دولة أمته في أقطار الآفاق عموما لم يحصل لأمة من الأمم قبلها، فلو لم يكن محمد ﷺ نبيا، لكان ضرره أعظم من كل أحد، ولو كان كذلك لحذر عنه الأنبياء أشد التحذير، ولنفروا أممهم منه أشد التنفير، فإنهم جميعهم قد حذروا من دعاة الضلالة في كتبهم، ونهوا أممهم عن اتباعهم والاقتداء بهم، ونصوا على المسيح الدجال، الأعور الكذاب، حتى قد أنذر نوح - وهو أول الرسل - قومه، ومعلوم أنه لم ينص نبي من الأنبياء على التحذير من محمد، ولا التنفير عنه، ولا الأخبار عنه بشيء خلاف مدحه، والثناء عليه، والبشارة بوجوده، والأمر باتباعه، والنهى عن مخالفته، والخروج من طاعته، قال الله تعالى:
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ، * فَمَنْ تَوَلّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ قال ابن عباس ﵄: ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتبعنه، رواه البخاري * وقد وجدت البشارات به ﷺ في الكتب المتقدمة وهي أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر * وقد قدمنا قبل مولده ﵇ طرفا صالحا من ذلك، وقررنا في كتاب التفسير عند الآيات المقتضية لذلك آثارا كثيرة، ونحن نورد هاهنا شيئا مما وجد في كتبهم التي يعترفون بصحتها، ويتدينون بتلاوتها، مما جمعه العلماء قديما وحديثا ممن آمن منهم، واطلع على ذلك من كتبهم التي بأيديهم، ففي السفر الأول من التوراة التي بأيديهم في قصة إبراهيم الخليل ﵇ ما مضمونه وتعريبه: إن الله أوحى إلى إبراهيم ﵇، بعد ما سلمه من نار النمروذ: أن قم فاسلك الأرض مشارقها ومغاربها لولدك، فلما قص ذلك على سارة طمعت أن يكون ذلك لولدها منه، وحرصت على إبعاد هاجر وولدها، حتى ذهب بهما الخليل إلى برية الحجاز وجبال فاران، وظن إبراهيم ﵇ أن هذه البشارة تكون لولده إسحاق، حتى أوحى الله إليه ما مضمونه: أما ولدك إسحاق فإنه يرزق ذرية عظيمة، وأما ولدك إسماعيل فانى باركته وعظمته،