للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأشعري على الصلاة والثغر وحذيفة بن اليمان على الفيء، فأجاز ذلك أهل الكوفة وبعثوا إلى عثمان في ذلك فأمضاه وسره ذلك فيما أظهره، ولكن هذا كان أول وهن دخل على عثمان. وأقام سعيد بن العاص بالمدينة حتى كان زمن حصر عثمان فكان عنده بالدار، ثم لما ركب طلحة والزبير مع عائشة من مكة يريدون قتلة عثمان ركب معهم، ثم انفرد عنهم هو والمغيرة بن شعبة وغيرهما، فأقام بالطائف حتى انقضت تلك الحروب كلها، ثم ولاه معاوية إمرة المدينة سنة تسع وأربعين، وعزل مروان فأقام سبعا ثم رد مروان. وقال عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر قال: بعثني زياد في شغل إلى معاوية، فلما فرغت من أمورى قلت: يا أمير المؤمنين لمن يكون الأمر من بعدك؟ فسكت ساعة ثم قال: يكون بين جماعة، إما كريم قريش سعيد بن العاص، وإما فتى قريش، حياء ودهاء وسخاء، عبد الله بن عامر، وإما الحسن بن على فرجل سيد كريم، وإما القاري لكتاب الله الفقيه في دين الله، الشديد في حدود الله، مروان بن الحكم، وأما رجل فقيه عبد الله بن عمر، وأما رجل يتردد الشريعة مع دواهي السباع ويروغ روغان الثعلب فعبد الله بن الزبير. وروينا أنه استسقى يوما في بعض طرق المدينة، فأخرج له رجل من دار ماء فشرب، ثم بعد حين رأى ذلك يعرض داره للبيع فسأل عنه لم يبيع داره؟ فقالوا: عليه دين أربعة آلاف دينار، فبعث إلى غريمه فقال: هي لك على، وأرسل إلى صاحب الدار فقال: استمتع بدارك. وكان رجل من القراء الذين يجالسونه قد افتقر وأصابته فاقة شديدة، فقالت له امرأته: إن أميرنا هذا يوصف بكرم، فلو ذكرت له حالك فلعله يسمح لك بشيء؟ فقال: ويحك! لا تحلقى وجهي، فألحت عليه في ذلك، فجاء فجلس إليه، فلما انصرف الناس عنه مكث الرجل جالسا في مكانه، فقال له سعيد: أظن جلوسك لحاجة؟ فسكت الرجل، فقال سعيد لغلمانه: انصرفوا، ثم قال له سعيد: لم يبق غيري وغيرك، فسكت، فأطفأ المصباح ثم قال له: رحمك الله لست ترى وجهي فاذكر حاجتك، فقال: أصلح الله الأمير أصابتنا فاقة وحاجة فأحببت ذكرها لك فاستحييت، فقال له: إذا أصبحت فالق وكيلي فلانا، فلما أصبح الرجل لقي الوكيل فقال له الوكيل: إن الأمير قد أمر لك بشيء فأت بمن يحمله معك، فقال:

ما عندي من يحمله، ثم انصرف الرجل إلى امرأته فلامها وقال: حملتينى على بذل وجهي للأمير، فقد أمر لي بشيء يحتاج إلى من يحمله، وما أراه أمر لي إلا بدقيق أو طعام، ولو كان مالا لما احتاج إلى من يحمله، ولأعطانيه. فقالت له المرأة: فمهما أعطاك فإنه بقوتنا فخذه، فرجع الرجل إلى الوكيل فقال له الوكيل: إني أخبرت الأمير أنه ليس لك أحد يحمله، وقد أرسل بهؤلاء الثلاثة السودان يحملونه معك، فذهب الرجل، فلما وصل إلى منزله إذا على رأس كل واحد منهم عشرة آلاف درهم، فقال للغلمان: ضعوا ما معكم وانصرفوا، فقالوا: إن الأمير قد أطلقنا لك، فإنه ما بعث

<<  <  ج: ص:  >  >>