لحوأب»، ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، وقالت: ردوني ردوني، أنا والله صاحبة ماء الحوأب، وقد أوردنا هذا الحديث بطرقه وألفاظه في دلائل النبوة كما سبق، فأناخ الناس حولها يوما وليلة، وقال لها عبد الله بن الزبير: إن الّذي أخبرك أن هذا ماء الحوأب قد كذب، ثم قال الناس: النجا النجا، هذا جيش على بن أبى طالب قد أقبل، فارتحلوا نحو البصرة، فلما اقتربت من البصرة كتبت إلى الأحنف بن قيس وغيره من رءوس الناس، أنها قد قدمت، فبعث عثمان بن حنيف عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي إليها ليعلما ما جاءت له، فلما قدما عليها سلما عليها واستعلما منها ما جاءت له، فذكرت لهما ما الّذي جاءت له من القيام بطلب دم عثمان، لأنه قتل مظلوما في شهر حرام وبلد حرام. وتلت قوله تعالى ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ فخرجا من عندها فجاءا إلى طلحة فقالا له: ما أقدمك؟ فقال: الطلب بدم عثمان، فقالا: ما بايعت عليا؟ قال: بلى والسيف على عنقي، ولا أستقبله إن هو لم يخل بيننا وبين قتلة عثمان. فذهبا إلى الزبير فقال مثل ذلك، قال: فرجع عمران وأبو الأسود إلى عثمان بن حنيف، فقال أبو الأسود:
يا ابن الأحنف قد أتيت فانفر … وطاعن القوم وجالد واصبر
واخرج لهم مستلثما وشمر
فقال عثمان بن حنيف: ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ،﴾ دارت رحى الإسلام ورب الكعبة، فانظروا بأي زيفان نزيف، فقال عمران إي والله لتعركنكم عركا طويلا، يشير عثمان بن حنيف إلى حديث ابن مسعود مرفوعا «تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين» الحديث كما تقدم، ثم قال عثمان بن حنيف لعمران بن حصين: أشر على، فقال اعتزل فانى قاعد في منزلي، أو قال قاعد على بعيري، فذهب فقال عثمان: بل أمنعهم حتى يأتى أمير المؤمنين، فنادى في الناس يأمرهم بلبس السلاح والاجتماع في المسجد، فاجتمعوا فأمرهم بالتجهز، فقام رجل وعثمان على المنبر فقال: أيها الناس إن كان هؤلاء القوم جاءوا خائفين فقد جاءوا من بلد يأمن فيه الطير، وإن كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلته، فأطيعوني وردوهم من حيث جاءوا، فقام الأسود بن سريع السعدي فقال: إنما جاءوا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا، فحصبه الناس، فعلم عثمان بن حنيف أن لقتلة عثمان بالبصرة أنصارا، فكره ذلك، وقدمت أم المؤمنين بمن معها من الناس، فنزلوا المربد من أعلاه قريبا من البصرة، وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها، وخرج عثمان بن حنيف بالجيش فاجتمعوا بالمربد، فتكلم طلحة - وكان على الميمنة - فندب إلى الأخذ بثأر عثمان، والطلب بدمه، وتابعه الزبير فتكلم بمثل مقالته فرد عليهما ناس من جيش عثمان بن حنيف، وتكلمت أم المؤمنين فحرضت وحثت على