الجمعة، فبات الناس على مصافهم وأصبح صباح يوم السبت الّذي كان يوما عسيرا على أهل الأحد وذلك لخمس بقين من ربيع الآخر، فطلعت الشمس على وجوه الفرنج واشتد الحر وقوى بهم العطش، وكان تحت أقدام خيولهم حشيش قد صار هشيما، وكان ذلك عليهم مشئوما، فأمر السلطان النفاطة أن يرموه بالنفط، فرموه فتأجج نارا تحت سنابك خيولهم، فاجتمع عليهم حر الشمس وحر العطش وحر النار وحر السلاح وحر رشق النبال، وتبارز الشجعان، ثم أمر السلطان بالتكبير والحملة الصادقة فحملوا وكان النصر من الله ﷿، فمنحهم الله أكتافهم فقتل منهم ثلاثون ألفا في ذلك اليوم، وأسر ثلاثون ألفا من شجعانهم وفرسانهم، وكان في جملة من أسر جميع ملوكهم سوى قومس طرابلس فإنه انهزم في أول المعركة، واستلبهم السلطان صليبهم الأعظم، وهو الذين يزعمون أنه صلب عليه المصلوب، وقد غلفوه بالذهب واللآلئ والجواهر النفيسة، ولم يسمع بمثل هذا اليوم في عز الإسلام وأهله، ودمغ الباطل وأهله، حتى ذكر أن بعض الفلاحين رآه بعضهم يقود نيفا وثلاثين أسيرا من الفرنج، قد ربطهم بطنب خيمة، وباع بعضهم أسيرا بنعل ليلبسها في رجله، وجرت أمور لم يسمع بمثلها إلا في زمن الصحابة والتابعين، فلله الحمد دائما كثيرا طيبا مباركا.
فلما تمت هذه الوقعة ووضعت الحرب أوزارها أمر السلطان بضرب مخيم عظيم، وجلس فيه على سرير المملكة وعن يمينه أسرة وعن يساره مثلها، وجيء بالأسارى تتهادى بقيودها، فأمر بضرب أعناق جماعة من مقدمي الداوية - والأسارى بين يديه - صبرا، ولم يترك أحدا منهم ممن كان يذكر الناس عنه شرا، ثم جيء بملوكهم فأجلسوا عن يمينه ويساره على مراتبهم، فأجلس ملكهم الكبير عن يمينه، وأجلس أرياط برنس الكرك وبقيتهم عن شماله، ثم جيء إلى السلطان بشراب من الجلاب مثلوجا، فشرب ثم ناول الملك فشرب، ثم ناول أرياط صاحب الكرك فغضب السلطان وقال له: إنما ناولتك ولم آذن لك أن تسقيه، هذا لا عهد له عندي، ثم تحول السلطان إلى خيمة داخل تلك الخيمة واستدعى بارياط صاحب الكرك، فلما أوقف بين يديه قام إليه بالسيف ودعاه إلى الإسلام فامتنع، فقال له: نعم أنا أنوب عن رسول الله ﷺ في الانتصار لأمته، ثم قتله وأرسل برأسه إلى الملوك وهم في الخيمة، وقال: إن هذا تعرض لسبّ رسول الله ﷺ، ثم قتل السلطان جميع من كان من الأسارى من الداوية والاستثارية صبرا وأراح المسلمين من هذين الجنسين الخبيثين، ولم يسلم ممن عرض عليه الإسلام إلا القليل، فيقال إنه بلغت القتلى ثلاثين ألفا، والأسارى كذلك كانوا ثلاثين ألفا، وكان جملة جيشهم ثلاثة وستين ألفا، وكان من سلم مع قلتهم وهرب أكثرهم جرحى فماتوا ببلادهم، وممن مات كذلك قومس طرابلس، فإنه انهزم جريحا فمات بها بعد مرجعه، ثم أرسل السلطان برءوس أعيان الفرنج ومن لم يقتل من رءوسهم، وبصليب