للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت: أنظره إلى غد، فقال إنه يبيت هذه الليلة مقلقل الخاطر، وربما لا يجعل له شيء بعد هذا، وإن هذين لا يمكن أحد إذا اشتراهما إلا جاء بهما إليك. فانتزعتهما فدفعتهما إلى الفلاح فطار عقله بهما وذهب بهما فباعهما لأحد التجار بألف دينار، ولم يعرف قيمتهما، فحملهما التاجر إلى الملك فردهما على زوجته، ثم أنشد الجويني عند ذلك:

ومن قال إن البحر والقطر أشبها … نداه فقد أثنى على البحر والقطر

قالوا: واجتاز يوما في سوق فرأى عند بقال عنّابا فأعجبه لونه ومالت نفسه إليه فأمر الحاجب أن يشترى منه ببالس، فاشترى الحاجب بربع بالس، فلما وضعه بين يديه أعجبه وقال: هذا كله ببالس؟ قال وبقي منه هذا - وأشار إلى ما بقي معه من المال - فغضب وقال: من يجد من يشترى منه مثلي تمموا له عشرة بوالس. قالوا: وأهدى له رجل جام زجاج من معمول حلب فاستحسنه جنكيزخان فوهن أمره عنده بعض خواصه وقال: خوند هذا زجاج لا قيمة له، فقال: أليس قد حمله من بلاد بعيدة حتى وصل إلينا سالما؟ أعطوه مائتي بالس. قال: وقيل له إن في هذا المكان كنزا عظيما إن فتحته أخذت منه مالا جزيلا، فقال الّذي في أيدينا يكفينا، ودع هذا يفتحه الناس ويأكلونه فهم أحق به منا، ولم يتعرض له (١) قال واشتهر عن رجل في بلاده يقول أنا أعرف موضع كنز ولا أقول إلا للقان، وألح عليه الأمراء أن يعلمهم فلم يفعل، فذكروا ذلك للقان فأحضره على خيل الأولاق - يعنى البريد - سريعا فلما حضر إلى بين يديه سأله عن الكنز فقال: إنما كنت أقول ذلك حيلة لأرى وجهك.

فلما رأى تغير كلامه غضب وقال له: قد حصل لك ما قلت، ورده إلى موضعه سالما ولم يعطه شيئا.

قال: وأهدى له إنسان رمانة فكسرها وفرق حبها على الحاضرين وأمر له بعدد حبها بوالس ثم أنشد:

فلذاك تزدحم الوفود ببابه … مثل ازدحام الحب في الرمان

قال: وقدم عليه رجل كافر يقول رأيت في النوم جنكيزخان يقول قل لأبي يقتل المسلمين، فقال له هذا كذب، وأمر بقتله (٢). قال وأمر بقتل ثلاثة قد قضت الياسا بقتلهم، فإذا امرأة تبكى


(١) وجد بهامش التركية ما نصه: «هذا منقول عن ابنه قان الّذي قام مقامه، ولعله هو الصحيح لأن قان هذا المنسوب إلى الكرم الجبليّ العظيم والسخاء المفرط، ويحكى عنه حكايات عظيمة في هذا الشأن. وأما أبوه جنكيزخان فأنه متوسط في الجود بل وفي سائر سجاياه وأخلاقه وأفعاله إلا في أمر سفك الدماء قبحه الله تعالى.
(٢) فيه تخليط والصحيح أن أعرابيا جاء إلى قان وقال له: رأيت في النوم أباك جنكيزخان فقال لي: قل لابني قان يقتل المسلمين، وكان قان يميل إلى المسلمين، مخالفا لأهل بيته، فسأل الرجل: هل تعرف اللغة المغولية؟ فقال: لا. فقال الملك له: أنت كاذب لأن أبى ما كان يعرف من اللغات ودرس غير المغولية، فأمر بضرب عنقه وأراح المسلمين من كيده.

<<  <  ج: ص:  >  >>