للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَلْطِمُ. فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ أَحْضِرُوهَا، فَقَالَتْ: هَذَا ابْنِي، وَهَذَا أَخِي، وَهَذَا زَوْجِي، فَقَالَ اخْتَارِي وَاحِدًا مِنْهُمْ حَتَّى أُطْلِقَهُ لَكِ، فَقَالَتِ: الزَّوْجُ يَجِيءُ مِثْلُهُ، وَالِابْنُ كَذَلِكَ، وَالْأَخُ لَا عِوَضَ لَهُ، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهَا وَأَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ لَهَا. قَالَ: وَكَانَ يُحِبُّ الْمُصَارِعِينَ وَأَهْلَ الشَّطَارَةِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، فَذُكِرَ لَهُ إِنْسَانٌ بِخُرَاسَانَ فَأَحْضَرَهُ فَصَرَعَ جَمِيعَ مَنْ عِنْدَهُ، فَأَكْرَمَهُ وأعطاه وأطلق له بنتا من بنات الملوك حَسْنَاءَ. فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ مُدَّةً لَا يَتَعَرَّضُ لَهَا، فاتفق مجيئها إلى الاردوا فَجَعَلَ السُّلْطَانُ يُمَازِحُهَا وَيَقُولُ: كَيْفَ رَأَيْتِ الْمُسْتَعْرِبَ؟ فذكرت له أَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْهَا، فَتَعَجَّبَ مِنْ ذَلِكَ وَأَحْضَرَهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا خُوَنْدُ أَنَا إِنَّمَا حَظِيتُ عِنْدَكَ بِالشَّطَارَةِ وَمَتَى قَرِبْتُهَا نَقَصَتْ منزلتي عندك، فقال لا بأس عليك وأحضر ابن عم له وكان مثله، فأراد أن يصارع الأول فقال السلطان: أنتما قرابة ولا يليق هذا بينكما وأمر له بمال جزيل.

قَالَ: وَلَمَّا احْتُضِرَ أَوْصَى أَوْلَادَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَعَدَمِ الِافْتِرَاقِ، وَضَرَبَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْأَمْثَالَ، وَأَحْضَرَ بين يديه نشابا وأخذ سهما أعطاه لواحد منهم فكسره، ثم أحضر حزمة ودفعها إليهم مجموعة فَلَمْ يُطِيقُوا كَسْرَهَا، فَقَالَ: هَذَا مَثَلُكُمْ إِذَا اجْتَمَعْتُمْ وَاتَّفَقْتُمْ، وَذَلِكَ مَثَلُكُمْ إِذَا انْفَرَدْتُمْ وَاخْتَلَفْتُمْ، قَالَ: وَكَانَ لَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ منهم أربعة هم عظماء أولاده أكبرهم يوسى وهريول وَبَاتُو وَبَرَكَةُ وَتُرْكِجَارُ، وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ لَهُ وَظِيفَةٌ عِنْدَهُ. ثُمَّ تَكَلَّمَ الْجُوَيْنِيُّ عَلَى مُلْكِ ذريته إلى زمان هولاكوخان، وهو يقول في اسمه ياذشاه زاره هُولَاكُو، وَذَكَرَ مَا وَقَعَ فِي زَمَانِهِ مِنَ الأوابد والأمور المعروفة المزعجة كما بسطناه فِي الْحَوَادِثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ

عِيسَى بْنُ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، مَلِكُ دِمَشْقَ وَالشَّامِ، كَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلْخَ ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ اسْتِقْلَالُهُ بِمُلْكِ دِمَشْقَ لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَكَانَ شُجَاعًا بَاسِلًا عَالِمًا فَاضِلًا، اشْتَغَلَ فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْحَصِيرِيِّ مُدَرِّسِ النُّورِيَّةِ [١] ، وَفِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ على التاج الْكِنْدِيِّ، وَكَانَ مَحْفُوظُهُ مُفَصَّلَ الزَّمَخْشَرِيِّ، وَكَانَ يُجِيزُ مَنْ حَفِظَهُ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا وَكَانَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ كِتَابٌ فِي اللُّغَةِ يَشْمَلُ صحاح الجوهري والجمهرة لابن دريد والتهذيب لِلْأَزْهَرِيِّ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ أَنْ يُرَتَّبَ لَهُ مُسْنَدُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَكَانَ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ وَيُكْرِمُهُمْ، وَيَجْتَهِدُ فِي مُتَابَعَةِ الْخَيْرِ وَيَقُولُ أَنَا عَلَى عَقِيدَةِ الطَّحَاوِيِّ، وَأَوْصَى عِنْدَ وَفَاتِهِ أَنْ لَا يُكَفَّنَ إِلَّا فِي الْبَيَاضِ، وَأَنْ يُلْحَدَ لَهُ وَيُدْفَنَ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا يُبْنَيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ: وَاقِعَةُ دِمْيَاطَ أَدَّخِرُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَرْجُو أَنْ يَرْحَمَنِي بِهَا- يَعْنِي أَنَّهُ أَبْلَى بها بَلَاءً حَسَنًا- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ جُمِعَ له بين الشجاعة وَالْبَرَاعَةِ وَالْعِلْمِ وَمَحَبَّةِ أَهْلِهِ، وَكَانَ يَجِيءُ فِي كل جُمُعَةٍ إِلَى تُرْبَةِ وَالِدِهِ فَيَجْلِسُ قَلِيلًا ثُمَّ إِذَا ذَكَرَ الْمُؤَذِّنُونَ يَنْطَلِقُ إِلَى تُرْبَةِ عَمِّهِ صلاح الدين


[١] وهو مؤلف كتاب «السهم المصيب في الرد على الخطيب» فيما ذكره في تاريخ بغداد في ترجمة الامام أبى حنيفة رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>