للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو سقاه أو كساه بغير إذن أهله قتل، ومن وجد هاربا ولم يرده قتل، ومن أطعم أسيرا أو رمى إلى أحد شيئا من المأكول قتل، بل يناوله من يده إلى يده، ومن أطعم أحدا شيئا فليأكل منه أولا ولو كان المطعوم أميرا لا أسيرا، ومن أكل ولم يطعم من عنده قتل، ومن ذبح حيوانا ذبح مثله بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أولا. وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين. قال الله تعالى ﴿أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ وقال تعالى ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ صدق الله العظيم.

ومن آدابهم: الطاعة للسلطان غاية الاستطاعة، وأن يعرضوا عليه أبكارهم الحسان ليختار لنفسه ومن شاء من حاشيته ما شاء منهنّ، ومن شأنهم أن يخاطبوا الملك باسمه، ومن مر بقوم يأكلون فله أن يأكل معهم من غير استئذان ولا يتخطى موقد النار ولا طبق الطعام، ولا يقف على أسكفة الخركاه ولا يغسلون ثيابهم حتى يبدو وسخها، ولا يكلفون العلماء من كل ما ذكر شيئا من الجنايات، ولا يتعرضون لمال ميت، وقد ذكر علاء الدين الجويني طرفا كبيرا من أخبار جنكيزخان ومكارم كان يفعلها لسجيته وما أداه إليه عقله وإن كان مشركا بالله كان يعبد معه غيره، وقد قتل من الخلائق ما لا يعلم عددهم إلا الّذي خلقهم، ولكن كان البداءة من خوارزم شاه، فإنه لما أرسل جنكيزخان نجارا من جهته معهم بضائع كثيرة من بلاده فانتهوا إلى إيران فقتلهم نائبها من جهة خوارزم شاه، وهو والد زوجة كشلى خان، وأخذ جميع ما كان معهم، فأرسل جنكيزخان إلى خوارزم شاه يستعلمه هل وقع هذا الأمر عن رضى منه أو أنه لا يعلم به، فأنكره وقال له فيما أرسل إليه: من المعهود من الملوك أن التجار لا يقتلون لأنهم عمارة الأقاليم، وهم الذين يحملون إلى الملوك ما فيه التحف والأشياء النفيسة، ثم إن هؤلاء التجار كانوا على دينك فقتلهم نائبك، فان كان أمرا أمرت به طلبنا بدمائهم، وإلا فأنت تنكره وتقتص من نائبك. فلما سمع خوارزم شاه ذلك من رسول جنكيزخان لم يكن له جواب سوى أنه أمر بضرب عنقه فأساء التدبير، وقد كان خرق وكبرت سنه،

وقد ورد الحديث «اتركوا الترك ما تركوكم» فلما بلغ ذلك جنكيزخان تجهز لقتاله وأخذ بلاده، فكان بقدر الله تعالى ما كان من الأمور التي لم يسمع بأغرب منها ولا أشنع، فمما ذكره الجويني أنه قدم له بعض الفلاحين بالصيد ثلاث بطيخات فلم يتفق أن عند جنكيزخان أحد من الخزندارية، فقال لزوجته خاتون أعطيه هذين القرطين اللذين في أذنيك، وكان فيهما جوهرتان نفيستان جدا، فشحت المرأة بهما

<<  <  ج: ص:  >  >>