إياها كأنه تندم على ما كانت عرضت عليه. فتعرض لها لتعاوده. فقالت لا حاجة لي فيك وتأسفت على ما فاتها من ذلك وأنشدت في ذلك ما قدمناه من الشعر الفصيح البليغ. وهذه الصيانة لعبد الله ليست له وإنما هي لرسول الله ﷺ، فإنه كما قال تعالى ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾ وقد تقدم
الحديث المروي من طريق جيد أنه قال ﵊:«ولدت من نكاح لا من سفاح» والمقصود أن أمه حين حملت به توفى أبوه عبد الله وهو حمل في بطن أمه على المشهور. قال محمد ابن سعد حدثنا محمد بن عمر - هو الواقدي - حدثنا موسى بن عبيدة اليزيدي. وحدثنا سعيد بن أبى زيد عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة. قال: خرج عبد الله بن عبد المطلب إلى الشام إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملونه تجارات، ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا فمروا بالمدينة وعبد الله ابن عبد المطلب يومئذ مريض، فقال أتخلف عند أخوالى بنى عدي بن النجار، فأقام عندهم مريضا شهرا ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن ابنه عبد الله فقالوا خلفناه عند أخواله بنى عدي بن النجار وهو مريض. فبعث اليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث. فوجده قد توفى ودفن في دار النابغة فرجع إلى أبيه فأخبره، فوجد عليه عبد المطلب وإخوته وأخواته وجدا شديدا، ورسول الله ﷺ يومئذ حمل. ولعبد الله بن عبد المطلب يوم توفى خمس وعشرون سنة.
قال الواقدي: هذا هو أثبت الأقاويل في وفاة عبد الله وسنه عندنا. قال الواقدي: وحدثني معمر عن الزهري أن عبد المطلب بعث عبد الله الى المدينة يمتار لهم تمرا فمات. قال محمد بن سعد وقد انبأنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وعن عوانة بن الحكم. قالا: توفى عبد الله بن عبد المطلب بعد ما أتى على رسول الله ﷺ ثمانية وعشرين شهرا، وقيل سبعة أشهر. وقال محمد بن سعد:
والأول أثبت أنه توفى ورسول الله ﷺ حمل. وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن عن عبد السلام عن ابن خربوذ. قال: توفى عبد الله بالمدينة ورسول الله ﷺ ابن شهرين، وماتت أمه وهو ابن أربع سنين، ومات جده وهو ابن ثمان سنين، فأوصى به إلى عمه أبى طالب. والّذي رجحه الواقدي وكاتبه الحافظ محمد بن سعد أنه ﵊ توفى أبوه وهو جنين في بطن أمه وهذا أبلغ اليتم وأعلى مراتبه. وقد تقدم
في الحديث «ورؤيا أمى الّذي رأت حين حمل بى كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام» وقال محمد بن إسحاق فكانت آمنة بنت وهب أم رسول الله ﷺ تحدث أنها أتيت حين حملت برسول الله ﷺ فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع إلى الأرض فقولي: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، من كل بر عاهد (١) وكل عبد رائد، يذود عنى ذائد، فإنه عند الحميد الماجد، حتى أراه قد أتى المشاهد. وآية ذلك أنه يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وقع فسميه محمدا. فان اسمه في التوراة احمد يحمده أهل السماء وأهل
(١) كذا في الأصلين ولم نقف عليه ولم يظهر لنا معناه.