للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عروة عن عائشة حين ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الأذى ورأى من تظاهر قريش على رسول الله وأصحابه ما رأى، استأذن رسول الله في الهجرة فاذن له، فخرج أبو بكر مهاجرا حتى إذا سار من مكة يوما - أو يومين - لقيه ابن الدغنة أخو بنى الحارث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهو يومئذ سيد الأحابيش. قال الواقدي: اسمه الحارث بن يزيد أحد بنى بكر من عبد مناة بن كنانة. وقال السهيليّ: اسمه مالك. فقال: إلى أين يا أبا بكر؟ قال أخرجني قومي وآذوني وضيقوا على. قال ولم؟ فو الله إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف وتكسب المعدوم. أرجع فإنك في جواري. فرجع معه حتى إذا دخل مكة قام معه ابن الدغنة فقال:

يا معشر قريش إني قد أجرت ابن أبى قحافة فلا يعرض له أحد إلا بخير. قال: فكفوا عنه.

قالت: وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بنى جمح فكان يصلى فيه، وكان رجلا رقيقا إذا قرأ القرآن استبكى قالت فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء يعجبون لما يرون من هيئته، قال فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة. فقالوا: يا ابن الدغنة إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا، إنه رجل إذا صلّى وقرأ ما جاء به محمد يرق وكانت له هيئة ونحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفائنا أن يفتنهم، فاته فمره بان يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء. قالت: فمشى ابن الدغنة اليه فقال: يا أبا بكر إني لم أجرك لتؤذى قومك. وقد كرهوا مكانك الّذي أنت به وتأذوا بذلك منك، فادخل بيتك فاصنع فيه ما أحببت. قال: أو أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله. قال فاردد على جواري. قال:

قد رددته عليك. قال فقام ابن الدغنة فقال يا معشر قريش إن ابن أبى قحافة قد رد على جواري فشأنكم بصاحبكم. وقد روى الامام البخاري هذا الحديث متفردا به وفيه زيادة حسنة. فقال حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل قال ابن هشام فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي . قالت: لم أعقل أبواي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد، لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر:

أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فاعبد ربى. فقال ابن الدغنة فان مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج مثله، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق. وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلدك. فرجع وارتحل معه ابن الدغنة، وطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقرى الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فلم يكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ويصل فيها وليقرأ

<<  <  ج: ص:  >  >>