واحدة، فان أرضك بها خوارج، فانشرحت لذلك، فلما صرت من مرو على فرسخين، خرج يتلقاني ومعه الناس، فلما واجهني ترجل فقبل يدي، فأمرته فركب. فلما دخلت مرو نزلت في داره فمكث ثلاثا لا يسألنى في أي شيء جئت، فلما كان في اليوم الرابع سألني ما أقدمك؟ فأخبرته بالأمر.
فقال: أفعلها أبو سلمة؟ أنا أكفيكموه. فدعا مرّار بن أنس الضبيّ فقال: اذهب إلى الكوفة فحيث لقيت أبا سلمة فأقتله، وانته في ذلك إلى رأى الامام. فقدم مرار الكوفة الهاشمية، وكان أبو سلمة يسمر عند السفاح، فلما خرج قتله مرّار وشاع أن الخوارج قتلوه، وغلقت البلد. ثم صلى عليه يحيى بن محمد بن على أخو أمير المؤمنين، ودفن بالهاشمية، وكان يقال له وزير آل محمد. ويقال لأبى مسلم أمير آل محمد. قال الشاعر:
إن الوزير وزير آل محمد … أودى فمن يشناك كان وزيرا
ويقال إن أبا جعفر إنما سار إلى أبى مسلم بعد قتل أبى سلمة وكان معه ثلاثون رجلا على البريد، منهم الحجاج بن أرطاة، وإسحاق بن الفضل الهاشمي، وجماعة من السادات. ولما رجع أبو جعفر من خراسان قال لأخيه: لست بخليفة ما دام أبو مسلم حيا حتى تقتله، لما رأى من طاعة العساكر له، فقال له السفاح: اكتمها فسكت. ثم إن السفاح بعث أخاه أبا جعفر إلى قتال ابن هبيرة بواسط، فلما اجتاز بالحسن بن قحطبة أخذه معه، فلما أحيط بابن هبيرة كتب إلى محمد بن عبد الله بن حسن ليبايع له بالخلافة فأبطأ عليه جوابه، فمال إلى مصالحة أبى جعفر، فاستأذن أبو جعفر أخاه السفاح في ذلك فأذن له في المصالحة، فكتب له أبو جعفر كتابا بالصلح، فمكث ابن هبيرة يشاور فيه العلماء أربعين يوما. ثم خرج يزيد بن عمر بن هبيرة إلى أبى جعفر في ألف وثلاثمائة من البخارية، فلما دنا من سرادق أبى جعفر همّ أن يدخل بفرسه فقال الحاجب سلام: انزل أبا خالد. فنزل وكان حول السرادق عشرة آلاف من أهل خراسان، ثم أذن له في الدخول فقال: أنا ومن معى؟ قال: لا بل أنت وحدك، فدخل ووضعت له وسادة فجلس عليها، فحادثه أبو جعفر ساعة ثم خرج من عنده فأتبعه أبو جعفر بصره، ثم جعل يأتيه يوما بعد يوم في خمسمائة فارس وثلاثمائة راجل، فشكوا ذلك إلى أبى جعفر فقال أبو جعفر للحاجب: مرة فليأت في حاشيته، فكان يأتى في ثلاثين نفسا، فقال الحاجب: كأنك تأتى متأهبا (١)؟ فقال: لو أمرتموني بالمشي لمشيت إليكم، ثم كان يأتى في ثلاثة أنفس.
وقد خاطب ابن هبيرة يوما لأبى جعفر فقال له في غبون كلامه: يا هناه - أو قال يا أيها المرء - ثم اعتذر إليه بأنه قد سبق لسانه إلى ذلك، فأعذره. وقد كان السفاح كتب إلى أبى مسلم يستشيره في مصالحة ابن هبيرة فنهاه عن ذلك، وكان السفاح لا يقطع أمرا دونه، فلما وقع الصلح على يدي أبى جعفر لم يحب السفاح ذلك ولم يعجبه، وكتب إلى أبى جعفر يأمره بقتله، فراجعه أبو جعفر مرارا