التكة وحملتها بيدي، ثم جاءوني بدابة فحملت عليها فكدت أن أسقط على وجهي من ثقل القيود وليس معى أحد يمسكنى، فسلم الله حتى جئنا دار المعتصم، فأدخلت في بيت وأغلق عليّ وليس عندي سراج، فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا إناء فيه ماء فتوضأت منه، ثم قمت ولا أعرف القبلة، فلما. صبحت إذا أنا على القبلة ولله الحمد. ثم دعيت فأدخلت على المعتصم، فلما نظر إليّ وعنده ابن أبى دؤاد قال: أليس قد زعمتم أنه حدث الحسن وهذا شيخ مكهل؟ فلما دنوت منه وسلمت قال لي:
ادنه، فلم يزل يدنيني حتى قربت منه ثم قال: اجلس! فجلست وقد أثقلنى الحديد، فمكثت ساعة ثم قلت: يا أمير المؤمنين إلى م دعا إليه ابن عمك رسول الله ﷺ؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله. قلت: فانى أشهد أن لا إله إلا الله. قال: ثم ذكرت له حديث ابن عباس في وفد عبد القيس ثم قلت: فهذا الّذي دعا إليه رسول الله ﷺ. قال: ثم تكلم ابن أبى دؤاد بكلام لم أفهمه، وذلك أنى لم أتفقه كلامه، ثم قال المعتصم: لولا أنك كنت في يد من كان قبلي لم أتعرض إليك، ثم قال:
يا عبد الرحمن ألم آمرك أن ترفع المحنة؟ قال أحمد: فقلت، الله أكبر، هذا فرج للمسلمين، ثم قال:
ناظره يا عبد الرحمن، كلمه. فقال لي عبد الرحمن: ما تقول في القرآن؟ فلم أجبه، فقال المعتصم: أجبه فقلت: ما تقول في العلم؟ فسكت، فقلت. القرآن من علم الله، ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر بالله، فسكت فقالوا فيما بينهم: يا أمير المؤمنين كفرك وكفرنا، فلم يلتفت إلى ذلك، فقال عبد الرحمن: كان الله ولا قرآن، فقلت: كان الله ولا علم؟ فسكت. فجعلوا يتكلمون من هاهنا وهاهنا، فقلت: يا أمير المؤمنين اعطونى شيئا من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أقول به، فقال:
ابن أبى دؤاد: وأنت لا تقول إلا بهذا وهذا؟ فقلت: وهل يقوم الإسلام إلا بهما. وجرت مناظرات طويلة، واحتجوا عليه بقوله ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ وبقوله ﴿اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ وأجاب بما حاصله أنه عام مخصوص بقوله ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها﴾ فقال ابن أبى دؤاد: هو والله يا أمير المؤمنين ضال مضل مبتدع، وهنا قضاتك والفقهاء فسلهم، فقال لهم: ما تقولون؟ فأجابوا بمثل ما قال ابن أبى دؤاد، ثم أحضروه في اليوم الثاني وناظروه أيضا ثم في اليوم الثالث، وفي ذلك كله يعلو صوته عليهم وتغلب حجته حججهم. قال: فإذا سكتوا فتح الكلام عليهم ابن أبى دؤاد، وكان من أجهلهم بالعلم والكلام، وقد تنوعت بهم المسائل في المجادلة ولا علم لهم بالنقل، فجعلوا ينكرون الآثار ويردون الاحتجاج بها، وسمعت منهم مقالات لم أكن أظن أن أحدا يقولها، وقد تكلم معى ابن غوث (١) بكلام طويل ذكر فيه الجسم وغيره بما لا فائدة فيه، فقلت: لا أدرى ما تقول، إلا أنى أعلم أن الله أحد صمد، ليس كمثله شيء، فسكت عنى. وقد أوردت لهم حديث