الرؤية في الدار الآخرة فحاولوا أن يضعفوا إسناده ويلفقوا عن بعض المحدثين كلاما يتسلقون به إلى الطعن فيه، وهيهات، وأنى لهم التناوش من مكان بعيد؟ وفي غبون ذلك كله يتلطف به الخليفة ويقول: يا أحمد أجبنى إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي. فأقول: يا أمير المؤمنين يأتونى بآية من كتاب الله أو سنة عن رسول الله ﷺ حتى أجيبهم إليها.
واحتج أحمد عليهم حين أنكروا الآثار بقوله تعالى ﴿يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً﴾ وبقوله ﴿وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً﴾ وبقوله ﴿إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ وبقوله: ﴿إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ونحو ذلك من الآيات. فلما لم يقم لهم معه حجة عدلوا إلى استعمال جاه الخليفة، فقالوا: يا أمير المؤمنين هذا كافر ضال مضل. وقال له إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد: يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلى سبيله ويغلب خليفتين، فعند ذلك حمى واشتد غضبه، وكان ألينهم عريكة، وهو يظن أنهم على شيء. قال أحمد فعند ذلك قال لي: لعنك الله، طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني، ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه.
قال أحمد: فأخذت وسحبت وخلعت وجيء بالعقابين والسياط وأنا انظر، وكان معى شعرات من شعر النبي ﷺ مصرورة في ثوبي، فجردونى منه وصرت بين العقابين، فقلت: يا أمير المؤمنين الله الله،
إن رسول الله ﷺ قال:«لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث» وتلوت الحديث،
وأن رسول الله ﷺ قال:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم»: فبم تستحل دمي ولم آت شيئا من هذا؟ يا أمير المؤمنين اذكر وقوفك بين الله كوقوفى بين يديك، فكأنه أمسك. ثم لم يزالوا يقولون له: يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر، فأمر بى فقمت بين العقابين وجيء بكرسي فأقمت عليه وأمرنى بعضهم أن آخذ بيدي بأي الخشبتين فلم أفهم، فتخلعت يداي وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له - يعنى المعتصم -: شد قطع الله يديك، ويجيء الآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك، فضربوني أسواطا فأغمى على وذهب عقلي مرارا، فإذا سكن الضرب يعود على عقلي، وقام المعتصم إلى يدعوني إلى قولهم فلم أجبه، وجعلوا يقولون: ويحك! الخليفة على رأسك، فلم أقبل وأعادوا الضرب ثم عاد إليّ فلم أجبه، فأعادوا الضرب ثم جاء إليّ الثالثة، فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب، ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب وأرعبه ذلك من أمرى وأمر بى فأطلقت ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجلي، وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة إحدى وعشرين ومائتين، ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله، وكان جملة ما ضرب نيفا وثلاثين سوطا، وقيل ثمانين سوطا، لكن كان ضربا مبرحا