والأبدال والأوتاد، وممن كانت له الأحوال والمكاشفات والمجاهدات والسياحات في سائر النواحي والجهات، وقد قرأ القرآن في بدايته وحفظ كتاب القدوري على مذهب أبى حنيفة، ثم اشتغل بالمعاملات والرياضات، ثم أقام آخر عمره بدمشق حتى مات بها ودفن بسفح قاسيون، وقد حكى عنه أشياء حسنة منها أنه قال اجتزت مرة في السياحة ببلدة فطالبتني نفسي بدخولها فآليت أن لا أستطعم منها بطعام، ودخلتها فمررت برجل غسال فنظر إلى شزرا فخفت منه وخرجت من البلد هاربا، فلحقني ومعه طعام فقال: كل فقد خرجت من البلد، فقلت له وأنت في هذا المقام وتغسل الثياب في الأسواق؟ فقال: لا ترفع رأسك ولا تنظر إلى شيء من عملك، وكن عبدا لله فان استعملك في الحش فارض به، ثم قال ﵀.
ولو قيل لي مت قلت سمعا وطاعة … وقلت لداعي الموت أهلا ومرحبا
وقال اجتزت مرة في سياحتي براهب في صومعة فقال لي: يا مسلم ما أقرب الطرق عندكم إلى الله ﷿؟ قلت: مخالفة النفس، قال فرد رأسه إلى صومعته، فلما كنت بمكة زمن الحج إذا رجل يسلم على عند الكعبة فقلت من أنت؟ فقال أنا الراهب، قلت: بم وصلت إلى هاهنا؟ قال بالذي قلت. وفي رواية عرضت الإسلام على نفسي فأبت، فعلمت أنه حق فأسلمت وخالفتها، فأفلح وأنجح. وقال بينا أنا ذات يوم بجبل لبنان إذا حرامية الفرنج فأخذونى فقيدوني وشدوا وثاقي فكنت عندهم في أضيق حال، فلما كان النهار شربوا وناموا، فبينا أنا موثوق إذا حرامية المسلمين قد أقبلوا نحوهم فأنبهتهم فلجئوا إلى مغارة هنالك فسلموا من أولئك المسلمين، فقالوا: كيف فعلت هذا وقد كان خلاصك على أيديهم؟ فقلت إنكم أطعمتمونى فكان من حق الصحبة أن لا أغشكم، فعرضوا على شيئا من متاع الدنيا فأبيت وأطلقونى. وحكى السبط قال: زرته مرة ببيت المقدس وكنت قد أكلت سمكا مالحا، فلما جلست عنده أخذنى عطش جدا وإلى جانبه إبريق فيه ماء بارد فجعلت أستحيى منه، فمد يده إلى الإبريق وقد احمر وجهه وناولني وقال خذ، كم تكاسر، فشربت. وذكر أنه لما ارتحل من بيت المقدس كان سورها بعد قائما جديدا على عمارة الملك صلاح الدين قبل أن يخربه المعظم، فوقف لأصحابه يودعهم ونظر إلى السور، وقال: كأنى بالمعاول وهي تعمل في هذا السور عما قريب، فقيل له معاول المسلمين أو الفرنج؟ فقال بل معاول المسلمين، فكان كما قال. وقد ذكرت له أحوال كثيرة حسنة، ويقال إن أصله أرمنى وإنه أسلم على يدي الشيخ عبد الله اليونينى، وقيل بل أصله رومي من قونية، وأنه قدم على الشيخ عبد الله اليونينى وعليه برنس كبرانس الرهبان، فقال له أسلم فقال أسلمت لرب العالمين. وقد كانت أمه داية امرأة الخليفة، وقد جرت له كائنة غريبة فسلمه الله بسبب ذلك، وعرفه الخليفة فأطلقه.