فيه خرقة سوداء مدرجة فنشروها، فإذا فيها خرقة حمراء فنشروها، وإذا داخلها خرقة صفراء، وفيها إيران كميت وورد. فقال شاعر يهجو بهما بنى نهد.
آب الكرام بالسبايا غنيمة … وفاز بنو نهد بايرين في سفط
كميت وورد وافرين كلاهما … فظنوهما غنما فناهيك من غلط
قالوا: ثم نقض أهل جرجان ما كان صالحهم عليه سعيد بن العاص، وامتنعوا عن أداء المال الّذي ضربه عليهم - وكان مائة ألف دينار وقيل مائتي ألف دينار وقيل ثلاثمائة ألف دينار - ثم وجه إليهم يزيد بن المهلب بعد ذلك كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وفي هذه السنة عزل عثمان بن عفان الوليد بن عقبة عن الكوفة، وولى عليها سعيد بن العاص وكان سبب عزله أنه صلى بأهل الكوفة الصبح أربعا ثم التفت فقال أزيدكم؟ فقال قائل: ما زلنا منك منذ اليوم في زيارة. ثم إنه تصدى له جماعة يقال كان بينهم وبينه شنئان، فشكوه إلى عثمان، وشهد بعضهم عليه أنه شرب الخمر وشهد آخر أنه رآه يتقاياها، فأمر عثمان بإحضاره وأمر بجلده، فيقال إن عليا نزع عنه حلته، وأن سعيد بن العاص جلده بين يدي عثمان بن عفان، وعزله وأمر مكانه على الكوفة سعيد بن العاص.
وفي هذه السنة سقط خاتم النبي ﷺ من يد عثمان في بئر أريس، وهي على ميلين من المدينة، وهي من أقل الآبار ماء، فلم يدرك خبره بعد بذل مال جزيل، والاجتهاد في طلبه، حتى الساعة، فاستخلف عثمان بعده خاتما من فضة، ونقش عليه محمد رسول الله، فلما قتل عثمان ذهب الخاتم فلم يدر من أخذه. وقد روى ابن جرير هاهنا حديثا طويلا في اتخاذ النبي ﷺ خاتما من ذهب، ثم من فضة، وبعثه عمر بن الخطاب إلى كسرى، ثم دحية إلى قيصر، وأن الخاتم الّذي كان في يد النبي ﷺ ثم في يد أبى بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان ست سنين، ثم إنه وقع في بئر أريس، وقد تقدم بعض هذا في الصحيح. وفي هذه السنة وقع بين معاوية وأبى ذر بالشام، وذلك أن أبا ذر أنكر على معاوية بعض الأمور، وكان ينكر على من يقتنى مالا من الأغنياء ويمنع أن يدخر فوق القوت، ويوجب أن يتصدق بالفضل، ويتأول قول الله ﷾ ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ فينهاه معاوية عن إشاعة ذلك فلا يمتنع، فبعث يشكوه إلى عثمان، فكتب عثمان إلى أبى ذر أن يقدم عليه المدينة، فقدمها فلامه عثمان على بعض ما صدر منه، واسترجعه فلم يرجع فأمره بالمقام بالربذة - وهي شرقى المدينة -
ويقال إنه سأل عثمان أن يقيم بها وقال: إن رسول الله ﷺ قال لي «إذا بلغ البناء سلعا فاخرج منها» وقد بلغ البناء سلعا، فأذن له عثمان بالمقام بالربذة وأمره أن يتعاهد المدينة في بعض الأحيان، حتى لا يرتد