ملكتك هذا المال فأنفقه على أهلك، وذهب وتركه.
هذا وقد كان يبخل بالنسبة إلى أخيه الفضل، إلا أن الفضل كان أكثر منه مالا. وروى ابن عساكر من طريق الدارقطنيّ بسنده أنه لما أصيب جعفر وجدوا له في جرّة ألف دينار، زنة كل دينار مائة دينار، مكتوب على صفحة الدينار جعفر:
وأصفر من ضرب دار الملوك … يلوح على وجهه جعفر
يزيد على مائة واحدا … متى تعطه معسرا يوسر
وقال أحمد بن المعلى الراوية: كتبت عنان جارية الناطفي لجعفر تطلب منه أن يقول لأبيه يحيى أن يشير على الرشيد بشرائها، وكتبت إليه هذه الأبيات من شعرها في جعفر: -
يا لائمي جهلا ألا تقصر … من ذا على حر الهوى يصبر
لا تلحني إذا شربت الهوى … صرفا فممزوج الهوى سكر
أحاط بي الحب فخلفي له … بحر وقدّامي له أبحر
تخفق رايات الهوى بالردى … فوقي وحولي للهوى عسكر
سيان عندي في الهوى لائم … أقل فيه والّذي يكثر
أنت المصفى من بني برمك … يا جعفر الخيرات يا جعفر
لا يبلغ الواصف في وصفه … ما فيك من فضل ولا يعشر
من وفر المال لأغراضه … فجعفر أغراضه أوفر
ديباجة الملك على وجهه … وفي يديه العارض الممطر
سحت علينا منهما ديمة … ينهل منها الذهب الأحمر
لو مسحت كفاه جلمودة … نضر فيها الورق الأخضر
لا يستتم المجد إلا فتى … يصبر للبذل كما يصبر
يهتز تاج الملك من فوقه … فخرا ويزهى تحته المنبر
أشبهه البدر إذا ما بدا … أو غرة في وجهه يزهر
والله ما أدري أبدر الدجى … في وجهه أم وجهه أنور
يستمطر الزوار منك الندى … وأنت بالزوار تستبشر
وكتبت تحت أبياتها حاجتها، فركب من فوره إلى أبيه فأدخله على الخليفة فأشار عليه بشرائها فقال: لا والله لا أشتريها، وقد قال فيها الشعراء فأكثروا، واشتهر أمرها وهي التي يقول فيها أبو نواس:
لا يشتريها إلا ابن زانية … أو قلطبان يكون من كانا