ثم اذن لعظماء فارس، ثم أذن لشجاع بن وهب، فلما أن دخل عليه أمر كسرى بكتاب رسول الله ﷺ أن يقبض منه، فقال شجاع بن وهب: لا حتى أدفعه أنا إليك كما أمرنى رسول الله ﷺ، فقال كسرى ادنه فدنا فناوله الكتاب ثم دعا كاتبا له من أهل الحيرة فقرأه فإذا فيه، من محمد بن عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس. قال فأغضبه حين بدأ رسول الله ﷺ بنفسه وصاح وغضب ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه، وأمر بشجاع ابن وهب فاخرج، فلما رأى ذلك قعد على راحلته ثم سار ثم قال: والله ما أبالى على أي الطريقين أكون إذ أديت كتاب رسول الله ﷺ. قال ولما ذهب عن كسرى سورة غضبه بعث الى شجاع ليدخل عليه فالتمس فلم يوجد، فطلب إلى الحيرة فسبق، فلما قدم شجاع على النبي ﷺ أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه لكتاب رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ«مزق كسرى ملكه»
وروى محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبى بكر عن أبى سلمة أن رسول الله ﷺ بعث عبد الله بن حذافة بكتابه إلى كسرى؟ فلما قرأه مزقه، فلما بلغ رسول الله ﷺ قال «مزق ملكه»
وقال ابن جرير (١) حدثنا أحمد بن حميد ثنا سلمة ثنا ابن إسحاق عن زيد بن أبى حبيب قال:
وبعث عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم إلى كسرى بن هرمز ملك فارس وكتب معه، بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله فانى أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين.
فان تسلم تسلم وإن أبيت فان إثم المجوس عليك. قال فلما قرأه شقه وقال: يكتب إلى بهذا وهو عبدي؟! قال ثم كتب كسرى الى باذام وهو نائبة على اليمن أن ابعث الى هذا الرجل بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به، فبعث باذام قهرمانه - وكان كاتبا حاسبا - بكتاب فارس وبعث معه رجلا من الفرس يقال له خرخرة، وكتب معهما الى رسول الله ﷺ يأمره أن ينصرف معهما الى كسرى وقال: لأبا ذويه ايت بلاد هذا الرجل وكلمه وائتني بخبره، فخرجا حتى قدما الطائف فوجدا رجلا من قريش في أرض الطائف فسألوه عنه فقال هو بالمدينة، واستبشر أهل الطائف - يعنى وقريش بهما - وفرحوا. وقال بعضهم لبعض أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك كفيتم الرجل، فخرجا حتى قدما على رسول الله ﷺ فكلمه أبا ذويه فقال: شاهنشاه ملك الملوك كسرى قد كتب الى الملك باذام يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك وقد بعثني إليك لتنطلق معى، فان
(١) في ابن جرير اختلاف في الأسماء فإنه سمى باذام باذان وابا ذويه بابويه وخرخرة خرخسرة الى غير ذلك فراجعه في السنة السادسة.