للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثلاثون برجا، وعدد شرافاتها أربعة وعشرون ألف شرافة، كان نزوله عليها في مستهل شهر رمضان، فخرج إليه أهلها يطلبون منه الأمان، وشرطوا شروطا له عليهم فأبى أن يجيبهم وردهم خائبين وصمم على حصارها، ففتحها يوم السبت رابع عشر رمضان بحول الله وقوته وتأييده ونصره، وغنم منها شيئا كثيرا، وأطلق للامراء أموالا جزيلة، ووجد من أسارى المسلمين من الحلبيين فيها خلقا كثيرا، كل هذا في مقدار أربعة أيام. وقد كان الأغريس صاحبها وصاحب طرابلس، من أشد الناس أذية للمسلمين، حين ملك التتار حلب وفر الناس منها، فانتقم الله سبحانه منه بمن أقامه للإسلام ناصرا وللصليب دامغا كاسرا، ولله الحمد والمنة، وجاءت البشارة بذلك مع البريدية، فجاوبتها البشائر من القلعة المنصورة، وأرسل أهل بغراس حين سمعوا بقصد السلطان إليهم يطلبون منه أن يبعث إليهم من يتسلمها، فأرسل إليهم أستاذ داره الأمير آقسنقر الفارقانى في ثالث عشر رمضان فتسلمها، وتسلموا حصونا كبيرة وقلاعا كثيرة، وعاد السلطان مؤيدا منصورا، فدخل دمشق في السابع والعشرين من رمضان من هذه السنة في أبهة عظيمة وهيبة هائلة، وقد زينت له البلد ودقت له البشائر فرحا بنصرة الإسلام على الكفرة الطغام، لكنه كان قد عزم على أخذ أراضى كثيرة من القرى والبساتين التي بأيدي ملاكها بزعم أنه قد كانت التتار استحوذوا عليها ثم استنقذها منهم، وقد أفتاه بعض الفقهاء من الحنفية تفريعا على أن الكفار إذا أخذوا شيئا من أموال المسلمين ملكوها، فإذا استرجعت لم ترد إلى أصحابها، وهذه المسألة مشهورة وللناس فيها قولان (أصحهما) قول الجمهور أنه يجب ردها إلى أصحابها لحديث العضباء ناقة رسول الله ، حين استرجعها رسول الله ، وقد كان أخذها المشركون، استدلوا بهذا وأمثاله على أبى حنيفة، وقال بعض العلماء إذا أخذ الكفار أموال المسلمين وأسلموا وهي في أيديهم استقرت على أملاكهم، واستدل على ذلك

بقوله «وهل ترك لنا عقيل من رباع» وقد كان استحوذ على أملاك المسلمين الذين هاجروا وأسلم عقيل وهي في يده، فلم تنتزع من يده، وأما إذا انتزعت من أيديهم قبل، فإنها ترد إلى أربابها لحديث العضباء، والمقصود أن الظاهر عقد مجلسا اجتمع فيه القضاة والفقهاء من سائر المذاهب وتكلموا في ذلك وصمم السلطان على ذلك اعتمادا على ما بيده من الفتاوى، وخاف الناس من غائلة ذلك فتوسط الصاحب فخر الدين بن الوزير بهاء الدين بن احنا، وكان قد درس بالشافعي بعد ابن بنت الأعز، فقال يا خوند أهل البلد يصالحونك عن ذلك كله بألف ألف درهم، تقسط كل سنة مائتي ألف درهم، فأبى إلا أن تكون معجلة بعد أيام، وخرج متوجها إلى الديار المصرية، وقد أجاب إلى تقسيطها، وجاءت البشارة بذلك، ورسم أن يعجلوا من ذلك أربعمائة ألف درهم، وأن تعاد إليه الغلات التي كانوا قد احتاطوا عليها في زمن القسم والثمار، وكانت هذه الفعلة مما شعثت خواطر الناس على السلطان ولما استقر أمر أبغا على التتار أمر باستمرار وزيره نصير الدين الطوسي، واستناب على بلاد الروم

<<  <  ج: ص:  >  >>