والأندلس وأقاليم بلاد العجم، حتى دخلت جيوشه إلى الصين وغير ذلك، قال: وكان مع هذا يمر بالبقال فيأخذ حزمة البقل بيده ويقول: بكم تبيع هذه؟ فيقول: بفلس، فيقول: زد فيها فإنك تربح. وذكروا أنه كان يبر حملة القرآن ويكرمهم ويقضى عنهم ديونهم، قالوا: وكانت همة الوليد في البناء، وكان الناس كذلك يلقى الرجل الرجل فيقول: ماذا بنيت؟ ماذا عمرت؟ وكانت همة أخيه سليمان في النساء، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل فيقول: كم تزوجت؟ ماذا عندك من السراري؟ وكانت همة عمر بن عبد العزيز في قراءة القرآن، وفي الصلاة والعبادة، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل فيقول: كم وردك؟ كم تقرأ كل يوم؟ ماذا صليت البارحة؟ [والناس يقولون: الناس على دين مليكهم، إن كان خمارا كثير الخمر، وإن كان لوطيا فكذلك وإن كان شحيحا حريصا كان الناس كذلك، وإن كان جوادا كريما شجاعا كان الناس كذلك، وإن كان طماعا ظلوما غشوما فكذلك، وإن كان ذا دين وتقوى وبر وإحسان كان الناس كذلك.
وهذا يوجد في بعض الأزمان وبعض الأشخاص، والله أعلم] (١).
وقال الواقدي: كان الوليد جبارا ذا سطوة شديدة لا يتوقف إذا غضب، لجوجا كثير الأكل والجماع مطلاقا، يقال إنه تزوج ثلاثا وستين امرأة غير الإماء. قلت: يراد بهذا الوليد بن يزيد الفاسق لا الوليد بن عبد الملك باني الجامع والله أعلم.
قلت: بنى الوليد الجامع على الوجه الّذي ذكرنا فلم يكن له في الدنيا نظير، وبنى صخرة بيت المقدس عقد عليها القبة، وبنى مسجد النبي ﷺ، ووسعه حتى دخلت الحجرة التي فيها القبر فيه، وله آثار حسان كثيرة جدا، ثم كانت وفاته في يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة من هذه السنة، قال ابن جرير: هذا قول جميع أهل السير، وقال عمر بن على الفلاس وجماعة: كانت وفاته يوم السبت للنصف من ربيع الأول من هذه السنة، عن ست وقيل ثلاث وقيل تسع وقيل أربع وأربعين سنة، وكانت وفاته بدير مران، فحمل على أعناق الرجال حتى دفن بمقابر باب الصغير، وقيل بمقابر باب الفراديس، حكاه ابن عساكر. وكان الّذي صلى عليه عمر بن عبد العزيز [لأن أخاه سليمان كان بالقدس الشريف، وقيل صلى عليه ابنه عبد العزيز](٢). وقيل بل صلى عليه أخوه سليمان، والصحيح عمر بن عبد العزيز والله أعلم. وهو الّذي أنزله إلى قبره وقال حين أنزله: لننزلنه غير موسد ولا ممهد، قد خلفت الأسلاب وفارقت الأحباب، وسكنت التراب، وواجهت الحساب، فقيرا إلى ما قدمت، غنيا عما أخرت. وجاء من غير وجه عن عمر أنه أخبره أنه لما وضعه - يعنى الوليد - في لحده ارتكض في أكفانه، وجمعت رجلاه إلى عنقه. وكانت خلافته تسع سنين وثمانية أشهر على المشهور والله أعلم.