للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَسَهُ وَسِوَارَيْهِ وَسَلَبَهُ، وَانْكَشَفَ أَصْحَابُهُ فَهُزِمُوا، فَأَقْسَمَ سعد على نائل لَيَلْبَسُ سِوَارَيْ شَهْرِيَارَ وَسِلَاحَهُ، وَلَيَرْكَبَنَّ فَرَسَهُ إِذَا كَانَ حَرْبٌ فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالُوا: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَسَوَّرَ بِالْعِرَاقِ، وَذَلِكَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ كُوثَى. وَزَارَ الْمَكَانَ الَّذِي حُبِسَ فِيهِ الْخَلِيلُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَرَأَ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ٣: ١٤٠ الآية.

[وقعة نهر شير [١]]

قَالُوا: ثُمَّ قَدَّمَ سَعْدٌ زُهْرَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ من كوثى الى نهر شير فَمَضَى إِلَى الْمُقَدِّمَةِ وَقَدْ تَلَقَّاهُ شِيرْزَاذُ إِلَى سَابَاطَ بِالصُّلْحِ وَالْجِزْيَةِ فَبَعَثَهُ إِلَى سَعْدٍ فَأَمْضَاهُ، وَوَصَلَ سَعْدٌ بِالْجُنُودِ إِلَى مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ مظلم ساباط، فوجدوا لك كَتَائِبَ كَثِيرَةً لِكِسْرَى يُسَمُّونَهَا بُورَانَ، وَهُمْ يُقْسِمُونَ كُلَّ يَوْمٍ لَا يَزُولُ مُلْكُ فَارِسَ مَا عِشْنَا، وَمَعَهُمْ أَسَدٌ كَبِيرٌ لِكِسْرَى يُقَالُ لَهُ الْمُقَرَّطُ، قَدْ أَرْصَدُوهُ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ ابْنُ أَخِي سَعْدٍ، وَهُوَ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ، فَقَتَلَ الْأَسَدَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَسُمِّيَ يَوْمَئِذٍ سَيْفُهُ الْمَتِينَ [٢] وَقَبَّلَ سَعْدٌ يَوْمَئِذٍ رَأَسَ هَاشِمٍ، وَقَبَّلَ هَاشِمٌ قَدَمَ سَعْدٍ. وَحَمَلَ هَاشِمٌ عَلَى الْفُرْسِ فَأَزَالَهُمْ عَنْ أَمَاكِنِهِمْ وَهَزَمَهُمْ وَهُوَ يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ من زَوالٍ ١٤: ٤٤ فلما كان الليل ارتحل المسلمون ونزلوا نهر شير فَجَعَلُوا كُلَّمَا وَقَفُوا كَبَّرُوا وَكَذَلِكَ حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ مَعَ سَعْدٍ فَأَقَامُوا بِهَا شَهْرَيْنِ وَدَخَلُوا فِي الثَّالِثِ وَفَرَغَتِ السَّنَةُ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ عُمَرُ وَكَانَ عَامِلَهُ فِيهَا عَلَى مَكَّةَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ، وَعَلَى الشَّامِ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَعَلَى الْكُوفَةِ وَالْعِرَاقِ سَعْدٌ، وَعَلَى الطَّائِفِ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ [٣] وَعَلَى الْبَحْرَيْنِ وَالْيَمَامَةِ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، وَعَلَى عُمَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ مِحْصَنٍ.

قُلْتُ: وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْيَرْمُوكِ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي رَجَبٍ مِنْهَا عِنْدَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ لَهِيعَةَ وَأَبِي مَعْشَرٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَيَزِيدَ بْنِ عُبَيْدَةَ وَخَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ وَابْنِ الْكَلْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَائِذٍ وَابْنِ عَسَاكِرَ وَشَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيِّ الْحَافِظِ. وَأَمَّا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فَذَكَرُوا وَقْعَةَ الْيَرْمُوكِ فِي سَنَةِ ثلاث عشرة. وقد قدمنا ذكرها لك تَبَعًا لِابْنِ جَرِيرٍ، وَهَكَذَا وَقْعَةُ الْقَادِسِيَّةِ عِنْدَ بَعْضِ الْحُفَّاظِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَاخِرِ هَذِهِ السَّنَةِ- سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ- وَتَبِعَهُمْ فِي ذَلِكَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ شيخنا الذهبي.

من توفى في هَذِهِ السَّنَةَ مُرَتَّبِينَ عَلَى الْحُرُوفِ

سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الْمُؤَرِّخِينَ. وقد تقدم سعد بن عبيد بن


[١] وفي فتوح العجم والعراق للواقدي «نهمشير» . وفي الطبري «بهرسير» .
[٢] كذا بالأصلين. وفي الطبري «المنن» بفتح النونين.
[٣] في الطبري «منية»

<<  <  ج: ص:  >  >>