مستحلون دماءهم ودماءكم. فتقدم إليهم قيس بن سعد بن عبادة فوعظهم فيما ارتكبوه من الأمر العظيم، والخطب الجسيم، فلم ينفع وكذلك أبو أيوب الأنصاري أنبهم ووبخهم فلم ينجع، وتقدم أمير المؤمنين على بن أبى طالب إليهم فوعظهم وخوفهم وحذرهم وأنذرهم وتوعدهم وقال: إنكم أنكرتم على أمرا أنتم دعوتموني إليه فنهيتكم عنه فلم تقبلوا وها أنا وأنتم فارجعوا إلى ما خرجتم منه ولا ترتكبوا محارم الله فإنكم قد سولت لكم أنفسكم أمرا تقتلون عليه المسلمين، والله لو قتلتم عليه دجاجة لكان عظيما عند الله، فكيف بدماء المسلمين؟ فلم يكن لهم جواب إلا أن تنادوا فيما بينهم أن لا تخاطبوهم ولا تكلموهم وتهيّئوا للقاء الرب ﷿، الرواح الرواح إلى الجنة. وتقدموا فاصطفوا للقتال وتأهبوا للنزال فجعلوا على ميمنتهم زيد بن حصن الطائي السنبسي، وعلى الميسرة شريح بن أوفى، وعلى خيالتهم حمزة بن سنان، وعلى الرجالة حرقوص بن زهير السعدي. ووقفوا مقاتلين لعلى وأصحابه. وجعل على على ميمنته حجر بن عدي، وعلى الميسرة شبيث بن ربعي ومعقل بن قيس الرياحي، وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري، وعلى الرجالة أبا قتادة الأنصاري، وعلى أهل المدينة - وكانوا في سبعمائة - قيس بن سعد بن عبادة،
وأمر عليّ أبا أيوب الأنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج ويقول لهم: من جاء إلى هذه الراية فهو آمن، ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن، إنه لا حاجة لنا فيكم إلا فيمن قتل إخواننا، فانصرف منهم طوائف كثيرون - وكانوا في أربعة آلاف - فلم يبق منهم إلا ألف أو أقل مع عبد الله بن وهب الراسبي، فزحفوا إلى على فقدّم على بين يديه الخيل وقدم منهم الرماة وصف الرجالة وراء الخيالة، وقال لأصحابه: كفوا عنهم حتى يبدؤكم، وأقبلت الخوارج يقولون: لا حكم إلا لله، الرواح الرواح إلى الجنة، فحملوا على الخيالة الذين قدمهم على، ففرقوهم حتى أخذت طائفة من الخيالة إلى الميمنة، وأخرى إلى الميسرة، فاستقبلتهم الرماة بالنبل، فرموا وجوههم، وعطفت عليهم الخيالة من الميمنة، والميسرة ونهض إليهم الرجال بالرماح والسيوف فأناموا الخوارج فصاروا صرعى تحت سنابك الخيول، وقتل أمراؤهم عبد الله بن وهب، وحرقوص بن زهير، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سخبرة السلمي، قبحهم الله. قال أبو أيوب: وطعنت رجلا من الخوارج بالرمح فأنفذته من ظهره وقلت له: أبشر يا عدو الله بالنار، فقال:
ستعلم أينا أينا أولى بها صليا. قالوا: ولم يقتل من أصحاب على إلا سبعة نفر
وجعل على يمشى بين القتلى منهم ويقول: بؤسا لكم! لقد ضركم من غركم، فقالوا: يا أمير المؤمنين ومن غيرهم؟ قال: الشيطان وأنفس بالسوء أمارة، غرتهم بالأماني وزينت لهم المعاصي، ونبأتهم أنهم ظاهرون ثم أمر بالجرحى من بينهم فإذا هم أربعمائة، فسلمهم إلى قبائلهم ليداووهم، وقسم ما وجد من سلاح ومتاع لهم. وقال الهيثم بن عدي في كتاب الخوارج: وحدثنا محمد بن قيس الأسدي ومنصور بن دينار عن عبد الملك